قال: وقد يضاف إلى الأشياء التى بها قوام الأشعار أمور من خارج، وهى الهيئات التى تكون فى صوت الشاعر وصورته على ما تقدم. وأكثر ما توجد هذه من الشعراء المستعملين لها فى الأشعار الانفعالية، مثل التى تقال فى أهل الجحيم وغيرهم. ولما كنا قد قلنا فى الأشياء التى تتقوم بها الأشعار التى هى أجزاؤها بالحقيقة، فقد ينبغى أن نقول فى هذه أيضا، فنقول: إن هذه الأفعال بالجملة هى التى تدل عليها الأقوال التى تسمى الانفعالية، ولذلك ينبغى إذا استعملت هذه أن تستعمل مع هذه الأقاويل. وذلك أن هذه ترى الانفعال الذى يقصد بالقول تثبيته كأنه قد وقع واستيقن. وقد تقدم لك فى كتاب «الخطابة» الأقاويل الانفعالية الخطبية وضروب الانفعالات التى تفعلها هذه الأقاويل. ولذلك كانت هذه الأفعال أخص بكتاب «الخطابة» منها بكتاب «الشعر».
والانفعالات التى تثبت بالقول الخطبى أو الشعرى هى: الخوف والغضب والرحمة والتعظيم، وسائر الأشياء التى عددت فى كتاب «الخطابة». وهو ظاهر أنه كما أن ها هنا أقوالا توجب هذه الانفعالات، كذلك ها هنا هيئات وأشكال تدل من المتكلم على حضور الأشياء التى توجب هذه الانفعالات، وأنها قد وقعت لوقوع الأشياء الفاعلة لها فينفعل لذلك الناظر لها.
فهذه الصور والهيئات إنما ينبغى أن تستعمل فى الشعر إن استعملت مع الأقاويل الانفعالية الشعرية، وذلك: إما فى التعظيم، وإما فى التصغير، وإما فى الأشياء المحزنة المخوفة — إذ كانت هذه الأشياء هى التى تستعمل صناعة المديح من الأقاويل الانفعالية على ما سلف. وإنما تستعمل هذه مع الأقاويل الانفعالية التى ليست صادقة، أعنى التى ليست هى ظاهرة التخييل. وأما الأقاويل الانفعالية التى هى ظاهرة التخييل ومناسبة للغرض المقول فيه وهى حق، فليس يحناج أن تستعمل فيها هذه الأمور التى من خارج فانها تهجنها إذ كانت هذه إنما تستعمل فى الأقاويل التى تضعف أن تفعل ما قصد بها إلا باقتران هذه الأشياء بها ، وهى الأقاويل الشعرية. فان القائل من الفقهاء لعبد الرحمن الناصر بمحضر الملأ من أهل قرطبة يحرضه على حسداى اليهودى:
إن الذى شرفت من أجله يزعم هذا أنه كاذب
पृष्ठ 233