तजरीबा उन्थाविय्या
التجربة الأنثوية: مختارات من الأدب النسائي العالمي
शैलियों
لم يرق لي هذا المستقبل كثيرا، على أني لم أكن مصغية لصوتها الرقيق وهو يردد هذا الهراء. كان خدي ملتصقا برقبتها البيضاء، التي بللتها دموعنا، وبين الفينة والأخرى كنت أطبع عليها قبلة، مثلما يفعل الأطفال. كانت رائحتها تشبه رائحة الحبر، ورائحة الكعك المسكر. وتبدي ثدياها المستديران الأبيضان من فتحة بلوزتها. شعرت كأنما هدهدت، وأرضيت، وووسيت. وفكرت ساخرة أن ما اجتذبها في للأسف هو براءتي، فقد كان جمالها حليبيا، ناعما، يغري بالالتهام، مختلفا كلية عن جسد تامارا ذي العضلات القوية.
أخيرا أعانتني على السير، وقادتني إلى الباب.
قالت: «اذهبي الآن يا هيلين. فلا بد أنهم قلقون عليك. أفضل حل لك أن تكوني باردة مع أبيك. لا تحدثيه عن شيء، فلن يألو جهدا في الدفاع عن نفسه، وربما نجح في إقناعك، خاصة وأنك شغوفة به هكذا إلى درجة العبادة!»
لم أقل أبدا إني أعبد أبي، لكن مدام لوسيت أولت حزني على هذه الصورة. فقد ظنت أن ما يعذبني أساسا هو خوفي على أبي من الخطيئة. وكانت تراني أحيانا في الكنيسة، التي كنت أذهب إليها لأستمتع بموسيقى الأرغن ورائحة البخور. كانت الكنيسة وقتئذ تشغل فضاء كبيرا في خيالي، وآخر أقل منه بكثير في اهتماماتي الروحية. وعلى أية حال، فقد أقلعت عن الذهاب إليها كلية بعد أن تعرفت إلى تامارا، فلم أعد بحاجة إلى التماس النشوة في مكان آخر.
كانت دموعي قد جفت، وتمالكت نفسي، عندما بلغت المنزل. لم يكن المستقبل يشغل سوى حيز ضئيل للغاية من تفكيري. ولم تترك في الوجبة الصامتة، عبر المائدة من أبي، أثرا ما. كنت أفكر في مدام لوسيت، فذكراها كانت لا تزال طازجة، وأقبلت أستعيد تفاصيلها على مهل.
أويت إلى الفراش في هذا المزاج السعيد. كانت النافذة مفتوحة بسبب اعتدال الطقس. وسمعت خلالها من يتدرب على السلم الموسيقي فوق بيانو. لم تتجاوز الساعة التاسعة عندما ولجت حجرتي، لكني كنت منهوكة القوى من جراء بكائي، أشعر بوهن في ساقي، فاضطررت إلى الرقاد. كان فراشي إلى جوار النافذة. وظللت أمدا طويلا مفتوحة العينين، لا أفكر في شيء ما محدد، أتطلع إلى السماء المعتمة، وأنوار المنازل المجاورة، تتلألأ وراء شجرة الليمون، ويتسلل ضياؤها خلال خيمة أوراقها الخفيفة، فيحولها إلى شجرة من أشجار عيد الميلاد. كان بوسعي أيضا أن أرى مزراب الأمطار، مثل لسان جاف مستقيم، وقد انزلق فوقه شبح قطة، وبعيدا، فوق تل منبسط القمة، شجرة وحيدة ملتوية، مثل أشجار الشرق الضامرة. كم حاولت خلال جولاتي أن أعثر على تلك الشجرة، بلا جدوى.
قبل أن أفيق تماما في الصباح التالي، وبينما كنت ما أزال بين النوم واليقظة، أخذت أتقلب في فراشي، كأنما كنت أتشبث بالنعاس، لأتجنب شيئا يقبع في انتظاري، شيئا انحنى فوق فراشي، ولمس وجهي. استيقظت مأخوذة. ما الذي أعطاني الإحساس بأن شيئا رطبا لمسني؟ لعل قطرات مطر تسللت من النافذة، أو ربما ... عندما لمست خدي أدركت أنه مبلل بالدموع، وفكرت: «لن أرى تامارا مرة أخرى على الإطلاق.» لم أتذكر أني تدبرت هذه الإمكانية بالأمس في شيء من الإذعان. بل إني كنت أفكر، أمس، في ضروب أخرى من الراحة واللذة. فلماذا بعث حزني فجأة من جديد؟ بل كيف انطلقت هذه الكلمات من فمي على حين غرة: «لن أرى تامارا مرة أخرى على الإطلاق.» بالأمس، لم تحرك هذه الفكرة شيئا، ولم توقظ أية مشاعر. لعلها كانت مثل الجراح التي لا يشعر بها المرء فور حدوثها، ولا يتألم منها إلا بعد ساعات. كنت عاجزة عن الفهم، فالدموع التي ذرفتها في المنتزه، دموع الغضب والحزن والخزي، جفت بسرعة. لقد عرفت هذه الدموع من قبل، عندما كان أبي يزجرني، أو توجه جوليا اللوم لي، لكن حزني ساعتها كان حزن الطفل المعاقب، الذي يمكن تخفيفه بكلمة رقيقة. وعندما استغرقت في النوم بالأمس، كنت أشعر بالسكينة وبشيء من الخدر. لم أحلم، ولم أستيقظ أثناء الليل. ومع ذلك، ها هي الآن الكلمات المرعبة: «لن تشاهدي تامارا ثانية.»
بكيت بدرجة أقل بكثير من الليلة الفائتة، لكني أخذت أذرع حجرتي جيئة وذهابا، والألم يمزقني، ورقدت ثم نهضت من جديد عشرات المرات. جربت أن أقرأ أو أدرس، دون جدوى. وفي ثورة غضب جنونية، مزقت نقشا قديما كنت أعتز به. وأنا أردد: «غير ممكن، غير حقيقي!» لكني كنت مضطرة للاعتراف بأنه ممكن وحقيقي، فشعرت من جديد بالأسى والحيرة والعذاب. غضبت من نفسي، ومن كلماتي البلهاء: «سأذهب، ولن تريني ثانية!» .. هذه الكلمات البلهاء التي فهت بها. وتلقتها بجدية ولا شك. والمؤكد أنها لن ترغب في أن أتراجع عنها. استأت أيضا من عجزي عن تذكر ما شعرت به من غضب عندما صفعتني. استعدت ما دار بيننا من حوار قبل أن تفعل، لأتبين ما دفعني إلى الانصراف وصفق الباب. ولم أشعر بغير المزيد من الأسف. ثم أضيف الخوف إلى يأسي. فماذا لو أن تامارا، بدافع الانتقام، لم تكتف بأنها لن تراني مرة أخرى. وأخبرت أبي بكل ما دار بيننا؟ وماذا لو أنه حبسني عند ذلك في المنزل أو أرسلني إلى الدير، أو حال بيني، بطريقة ما وبين رؤية تامارا مرة أخرى! فلا أراها مطلقا بعد الآن! لكن ماذا يدعوني إلى التفكير بهذا الشكل طالما أني، بالفعل، لن أراها بعد الآن؟
عند هذه النقطة، أصبحت عاجزة عن التفكير. كان من المستحيل تخيل المستقبل بدونها. كنت عاجزة عن أن أتصور نفسي في الشوارع التي كانت تقودني دائما إليها، أو عابرة للمنتزه الذي طالما قطعته جريا لأنضم إليها بأسرع ما يمكن. كنت عاجزة عن احتمال وجودها بالقرب مني، في ذلك المنزل الذي ما زال قائما. وعن تقبل مغادرتها لمنزلها في الصباح، كعادتها، في ملابس الفروسية، وسيرها بمفردها في الشارع. كنت عاجزة عن تصورها في القطار كل يوم سبت، ذاهبة إلى البلدة المجاورة، أو تتناول غذاء خفيفا من البسكويت والشاي، وتمارس كل شيء كالعادة، بينما أقصيت تماما من حياتها. شعرت أني كنت قادرة على احتمال الأمر ، لو أن زلزالا ابتلع رامبار دي بيجويين وحوريته المغوية، بئر السلم عميق الغور وتامارا ذاتها، بحليها وزخارفها الهشة المثيرة للسخرية، وأقنعتها الأفريقية، وتمائمها المصنوعة من ألياف النخيل.
استعرضت في رأسي كل الأشياء الصغيرة التي تملكها والمكدسة في صناديق الحلوى أو المبعثرة فوق الأرفف، أشياء أعطيت لها، تذكارات، صناديق حياكة من الصدف، وسائد دبابيس، طلاء أظافر، زجاجات عطور، دمى دقيقة في الملابس الإقليمية. كانت تامارا، من وقت لآخر، تحطم بعضا من هذا كله، تلك التي لم تنجح في حمايتها ذكرى سارة، ثم تستبدلها بغيرها، فتحل آنية الزهور البراقة الصغيرة مكان الجوهرة الصينية، ويظهر الجواد الزجاجي حيث كان منظف المداخن الخزفي. لا أعرف لماذا كان أصدقاؤها يصرون على إهدائها هذه الحلي التافهة التي لا تتسق مع شخصيتها. لكنها كانت مغرمة بها، تستمتع بها في لحظات الضجر، كما يحدث عندما يتعلق أحد السجناء بعنكبوت.
अज्ञात पृष्ठ