तजरीबा उन्थाविय्या
التجربة الأنثوية: مختارات من الأدب النسائي العالمي
शैलियों
قبل أن تقرأ
تقديم أول
تقديم ثان
بين ذراعي تامارا
استيقاظ مود
أنا الغريبة الجميلة
لا يمكن أن يكون ميتا، فقد تحدث إلي!
أهلا بك!
الحب بالشخص الثالث والثمانين
يوميات زوجة غير مخلصة
अज्ञात पृष्ठ
الكراسة الذهبية
جامعة الكنوز
سولا «رقيقة من الذهب تحتها مرمر»
القلب النازف
قبل أن تقرأ
تقديم أول
تقديم ثان
بين ذراعي تامارا
استيقاظ مود
أنا الغريبة الجميلة
अज्ञात पृष्ठ
لا يمكن أن يكون ميتا، فقد تحدث إلي!
أهلا بك!
الحب بالشخص الثالث والثمانين
يوميات زوجة غير مخلصة
الكراسة الذهبية
جامعة الكنوز
سولا «رقيقة من الذهب تحتها مرمر»
القلب النازف
التجربة الأنثوية
التجربة الأنثوية
अज्ञात पृष्ठ
مختارات من الأدب النسائي العالمي
تأليف
دوريس ليسينج وآخرين
جمع وترجمة
صنع الله إبراهيم
قبل أن تقرأ
واكبت سنوات مراهقتي نهاية العهد الملكي في مصر. كانت البلاد تموج بدعوات التحرر الوطني من الوجود الإنجليزي العسكري، والتحرر الاجتماعي من سيطرة الإقطاع، ومن الأمية والمرض والحفاء! .. وشكلت هذه البيئة وجداني، وخاصة الحديث عن أن المعرفة هي كالماء والهواء يجب أن تكون للجميع وبالمجان.
وفي مغرب يوم من سنة 1951م، كنا أنا وأبي عائدين من زيارة لأحد أقاربنا في شرق القاهرة. توقفنا في ميدان العتبة لنأخذ «الباص» إلى غربها حيث نقطن. اتخذنا أماكننا في مقاعد الدرجة الثانية. نعم! كانت مقاعد «الباص» آنذاك - والترام أيضا - مقسمة إلى درجتين بثمنين متفاوتين للتذاكر التي يوزعها «كمساري» برداء أصفر مميز أثناء مروره على الركاب.
جلسنا أنا وأبي خلف الحاجز الزجاجي الذي يفصل الدرجتين، وتابعت في حسد ركاب الدرجة الأولى، بينما كان أبي غارقا في أفكاره التي تثيرها دائما أمثال هذه الزيارات.
قلت بحماس طفولي: «سيأتي اليوم الذي يزول فيه هذا الحاجز، بل ويصبح الركوب بالمجان.»
अज्ञात पृष्ठ
تذكرت الروايات التي أعشق قراءتها فأضفت: «والكتب أيضا!»
تطلع إلي باستياء من سذاجتي: نعم! الكتب بالمجان؟ يا لها من سذاجة!
ولم أتصور وقتها أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه كتبي أنا متاحة للقراءة بالمجان! وذلك بفضل مبادرة جريئة من مؤسسة مصرية طموحة، فشكرا لها!
صنع الله إبراهيم
تقديم أول
في سنة 1966م، وقع في يدي كتاب أمريكي صدر في نفس العام بعنوان: «النساء الجديدات الجريئات»
The new bold women" Fawcett, 1966
تتنوع مواده بين القصة والرواية والمقالة والمسرحية، ويجمع بينها أمران: أن المؤلف دائما امرأة، وأن الموضوع واحد هو الجنس.
كانت هناك أسماء معروفة بين الكاتبات، تنفي عن الكتاب صفة الابتذال، فعلى رأسهن الإنجليزية دوريس ليسنج
Doris Lessing
अज्ञात पृष्ठ
التي حققت مكانة رفيعة قبل ذلك بأربع سنوات بروايتها الشهيرة «الكراسة الذهبية»
The Golden Notebook ، والإيرلندية أدنا أوبريان
Edna O’berien
التي تتمتع بشهرة مماثلة.
وفي تبرير هذه المجموعة من الكتابات، كتبت محررة الكتاب تقول، إن سنوات الستينيات شهدت تغيرا عظيما في الطريقة التي تكتب بها المرأة، وفي موضوع كتابتها؛ فقد أصبحت أصلب عودا، وأقل سنتمنتالية، ولم تعد تعبأ برقة التعبير، والأهم من هذا كله، أن كتابتها صارت في أغلب الأحيان كتابة شخصية.
وترى المحررة أن السمة الأخيرة تشكل مظهرا جديدا للنفس المعاصرة التي تستبدل الرؤية الشخصية بالمعرفة الشاملة، وتعكس التغيرات في الأعراف والمحرمات. فبفضل تحول الموضة من الكاتب «الإله»، إلى الكاتب «أنا»، وما تحقق من اختراق لقيود النشر في إنجلترا والولايات المتحدة، «بدأت الكاتبة تستكشف وضعها والعالم بأمانة أكثر، وطبيعية أكثر، وجدية أكثر.» •••
لماذا الجنس؟
ترى محررة الكتاب أن الكتابة الذاتية لا الموضوعية، والكتابة عن الجنس، أمران طبيعيان بالنسبة للمرأة، و«لعل الكتابة بحرية عن الجنس أكثر أهمية للنساء منه للرجال.» فالمرأة تقع في نقطة توتر بين طبيعة بيولوجية لم تتغير على الإطلاق، ورؤية حديثة بعض الشيء عن حرية جديدة، مما يجعلها مشغولة بالمحيط الذي تعمل فيه بيولوجيتها: «الجنس هو مركز هذا المحيط، ولهذا فإن أسبابه ونتائجه، وتأثيراته الاجتماعية والوجدانية، تشكل مادة وجودها. إن التجربة الجنسية لأغلب النساء ليست مجرد تجربة جنسية، وإنما هي محاولة للإمساك بالكون. وسواء كانت حسنة أم سيئة، فإنها تسفر دوما عن كشف.» •••
وبالطبع، فإن الجو الذي ساد العالم في الستينيات، هو الذي دفع المرأة الكاتبة، وأتاح لها، أن تتمعن عالمها الجنسي بحرية.
ولا شك أنه كان عقدا فريدا، شهد فيه العالم أحداثا هائلة: اكتشافات علمية، غزوا للفضاء، ثورات تحريرية (من الجزائر إلى فيتنام)، وتمردات على الأنظمة في الغرب والشرق على السواء (من الثورة الثقافية الصينية وربيع براغ إلى ثورة الطلاب في ألمانيا وفرنسا). كان هناك ضيق عارم بالأوضاع المستقرة، وبالمنظومة الأخلاقية السائدة. وانفجرت الحركة النسوية. واستكشف المنتجون (في الفن والصناعة) إمكانيات التعبير الفردي الجريء (من الملابس إلى السينما). وكما كان الشأن في الانقلابات الكبرى (الثورة الفرنسية 1970م والروسية 1917م) ارتبط الموقف من العدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية بالموقف من وضع المرأة وقضايا الجنس. وسواء بالحق أو الباطل، ارتبطت المظاهرات الطلابية التي جابت شوارع أوروبا والولايات المتحدة ضد العدوان الأمريكي على فيتنام، والمؤسسة البرجوازية ذاتها، بتدخين المارجوانا، والموسيقى الجديدة، بمثل ما ارتبطت بالحرية الجنسية.
अज्ञात पृष्ठ
فإلى جانب اليوتوبيا الاجتماعية السياسية، والتي يحصل فيها الفرد على كل ما يحتاج إليه، ويشارك في صنع القرار العام، وهي التي ألهبت خيال المتظاهرين، كانت هناك يوتوبيا أخرى تحركهم، يوتوبيا جنسية، مؤداها سيادة كل فرد على جسده، وحقه في الاستمتاع به بالشكل الذي يجلب له السعادة، على أي وجه، ودون أي قيد. (مما يلفت النظر، أن عام 1967م وحده، شهد في إنجلترا صدور قانون يبيح الإجهاض، وآخر يرفع التجريم عن العلاقة الجنسية بين رجلين بالغين طالما تتم باتفاقهما الحر، كما شهد العام التالي إلغاء الرقابة على المسرح الإنجليزي، وفي نفس الوقت ألغت الولايات المتحدة القوانين التي كانت تحرم البورنوجرافيا، وتعاقب على نشر الكتب والمجلات والأفلام التي تتناول الجنس بصورة مباشرة وصريحة). •••
لكن «الثورة» لم تستمر طويلا. وسواء أثبتت الأنظمة قدرتها على الثبات في وجه رياح التغيير - ولو إلى حين - أو أن «الحركة» استنفدت قواها، أو ببساطة أن الموضة تغيرت، فإن الطلاب عادوا إلى مقاعد الدراسة، بعد أن حصلوا على بعض المكاسب، وغادروها بعد قليل ليلتحقوا بالمؤسسة، ويتفانوا في خدمتها. وعادوا يعلون من شأن قيد الزواج (والخيانة الزوجية بالتالي!) الذي تمردوا عليه، وخرجت المرأة بالذات، مثخنة بالجراح، ولم يمض عقد إلا وقد انفجر طاعون «الإيدز»! •••
كان صدور كتاب مثل «نساء جديدات جريئات» أمرا طبيعيا إذن في أواسط العقد الفريد، بمثل ما كان اهتمامي به آنذاك.
والحق أنه يمثل «وثيقة» هامة تتعلق بعالم ما زال يحتاج كثيرا من الكشف.
فقد حرصت محررة الكتاب، عند اختيار النصوص الإبداعية، على تحقيق التنوع الذي يسمح بتغطية الحياة الداخلية للمرأة في مراحلها المتعددة وصورها المختلفة، فتتبعتها مراهقة، عاشقة، زوجة، مغامرة، باحثة عن اللذة، أما، ضحية للبرود الجنسي، ومحبطة.
وعندما سافرت إلى الخارج في صيف عام 1968م، كان هذا الكتاب من بين الكتب التي حملتها معي وحرصت على عدم مفارقتها سنوات طويلة. فقد كنت أداعب فكرة ترجمة بعض نصوصه إلى اللغة العربية. وألفيت نفسي بعد قليل مدفوعا إلى ذلك بضغط الحاجة، خلال وجودي ببيروت (رغم الإقامة الآمنة التي وفرها لي زميلي في وكالة أنباء الشرق الأوسط وقتها المرحوم فتحي القشاوي). وعرضت الفكرة على الشاعر أنسي الحاج الذي كان يرأس تحرير مجلة «الحسناء»، ويكتب لها افتتاحيات بأسلوب رشيق يتعمد إلهاب خيال المراهقات، فرحب بالأمر. وقع اختياري على النصوص التالية: «استيقاظ مود»
Maud Awake
من رواية بنفس العنوان للأمريكية مارج بيرسي
Marge piercy
وتتناول سذاجة وكوميدية التجربة الجنسية الأولى. «أنا الغريبة الجميلة»
अज्ञात पृष्ठ
I am the beautiful stranger ، من رواية بنفس العنوان، تستكشف عالم الرجال بعيون فتاة مراهقة، للأمريكية روزالين دريكسلر (1965م)
Rosalyn Drexler
وهي كاتبة مسرحية وشاعرة ورسامة ومصارعة أيضا! «الحب بالشخص الثالث والثمانين»
Love in the 83
rd
person
للأمريكية جويس إلبرت
Joyce Elbert ، وتصور خواء التجريب الجنسي الذي يأخذ شكل الألعاب الرياضية. «لا يمكن أن يكون ميتا، فقد تحدث إلي!»
He can’t be dead, he spoke to me!
للأمريكية المعروفة رونا جافي
अज्ञात पृष्ठ
Rona Jaffe ، ترسم فيه صورة ساخرة للعربدة الجنسية التي تبتذل الجانب الإنساني. «أهلا بك!»
Hello Baby
لهارييت سومرز
Harriet Sommers ، التي كانت تشارك في تحرير مجلة
الطليعية، وتتعرض في هذا النص لتجربة الإجهاض في مجتمع يحرمه. «يوميات زوجة غير مخلصة!»
Diary of un Faithful
للإيرلندية إدنا أوبريان
Edna o’Berien
التي شهرها فيلم «الفتاة ذات العيون الخضراء»، المأخوذ عن روايتها «الفتيات الوحيدات»
The lonely Girls . «الكراسة الذهبية»
अज्ञात पृष्ठ
The Golden Notebook ، وهو مقطع من الرواية الشهيرة التي تحمل نفس الاسم، والتي وصفت بأنها «واحدة من أهم روايات القرن العشرين» لواحدة من أبرز كتابه هي
Doris Lessing ، التي ولدت في جنوب إفريقيا سنة 1919م وهاجرت إلى إنجلترا في سن الثلاثين. وتتفحص ليسنج في هذه الرواية بكل صراحة، معاناة المرأة العصرية المثقفة، والتناقض الذي تعيشه بين تكوينها العاطفي والنفسي القديم، وبين حياتها الاجتماعية العصرية. فالبطلة كاتبة، تعجز عن مواصلة الكتابة، وتكتشف أنها تواجه إشكالية واحدة في أمور الزواج والحب والأطفال والدين والسياسة والمال تنبع من تمسكها باستقلاليتها من ناحية، وحاجتها لأن تكون مرغوبة من ناحية أخرى. •••
كانت هذه هي النصوص التي اخترتها، وبدأت ترجمتها على الفور، كما بدأ أنسي الحاج في النشر بحماس، وقد أتاحت له ممارسة هوايته اللغوية، فقدم أحدها مثلا على أنه يصور «عالم المراهقات الموحش واللذيذ والوحشي!» لكنه لم يلبث أن قال لي مستنكرا: «أنت تكتب لنا دعارة!» وتوقف النشر. لكني لم أتخل عن مواصلة الترجمة. بل وأقبلت أجمع في اهتمام، طوال الأعوام التالية، النصوص المماثلة، وكأني في رحلتي الشخصية من أجل دراسة وفهم المرأة والسلوك الجنسي عامة، كنت أستكمل، بلا وعي، كتابا أقدمه لقراء العربية ذات يوم.
هكذا التقيت بأناييس نين
Anais NiN .
بدت لي هذه الشخصية الفريدة في مبدأ الأمر غير حقيقية، مختلقة، وشككت طويلا في أن اسمها مستعار، يتخفى وراءه أحد الكتاب المعروفين، إلى أن قرأت يومياتها.
ولدت أناييس عام 1903م (وماتت عام 1977م) من أب إسباني، عازف بيانو ومؤلف موسيقي، وأم دانمركية، وقضت طفولتها في أجزاء مختلفة من أوروبا، ثم تركت باريس في الحادية عشرة من عمرها إلى الولايات المتحدة. وعادت بعد ذلك إلى باريس حيث درست علم النفس على يد العالم المعروف أوتورانك، وتعرفت على الكتاب والفنانين الذين كانت تموج بهم العاصمة الفرنسية في العشرينيات (وهي فترة شبيهة بالستينيات، تكررت من قبل في القرن التاسع عشر، مما يوحي بوجود دورة ما لموجات التمرد والثورة تعقبها فترة من المحافظة يتراوح أمدها بين ثلاثة عقود وأربعة)، من مبتدع المسرح الأسود، أرتود، إلى رائد الأدب الجنسي هنري ميلر.
وفي الحادية عشرة من عمرها، بدأت يومياتها الفذة، على هيئة رسائل إلى أبيها الذي كان قد هجر الأسرة. وظلت تكتب هذه اليومات طول حياتها، بالفرنسية حتى عام 1920م وبعد ذلك بالإنجليزية ، إلى أن بلغ عدد صفحاتها 35000 صفحة! وأتاح لها العمل اليومي في هذه اليوميات، دون قراء أو رقابة ما، القدرة على تسجيل مشاعرها وعواطفها بدقة، وهي القدرة التي بلغت أوجها في فترة علاقتها بهنري ميلر التي بدأت عام 1931م.
وهنري ميلر، أيا كان الرأي في قيمة كتاباته اليوم، هو بلا شك من أوائل الكتاب المعاصرين الذين تحدوا المنظومة الاجتماعية والأخلاقية السائدة، بإصراره على تسمية الأشياء بأسمائها، واستخدام ما سمي بكلمات الأربعة حروف، التي كانت محرمة قبل سقوط قيود البورنوجرافيا في الستينيات، في كتب مثل «مدار السرطان» و«مدار الجدي»، ظلت تطبع سرا في السلاسل الجنسية حتى هل العقد الفريد.
كان التقاء أناييس نين بهنري ميلر أهم حادث في حياتها على الإطلاق. فقد وقعت في أسر كتابته، وفي عشق زوجته! وما إن سافرت الأخيرة إلى نيويورك، حتى بدأت مع هنري علاقة حررتها جنسيا وأخلاقيا، وقوضت زواجها من المصرفي هيوج جويلر، الذي كانت تعتز به، ثم قادتها إلى أريكة التحليل النفسي المعهودة. وخلال ذلك بلغت كتابتها الأوج، فأتمت دراسة عن د. ه. لورانس، وسودت مئات الصفحات من اليوميات، ضمن أولى تجاربها في الكتابة الإيروتيكية أو الشبقية. ورغم تأثرها بهنري ميلر وقاموسه «البذيء» فإن صوتها كان مختلفا تماما، وتميز أسلوبها عن أسلوبه الفظ العدواني، إذ اتسم ببساطة آسرة، وحساسية إنسانية، وإدراك عميق لأغوار النفس البشرية، ولجذور الاستيهام أو أحلام اليقظة، كما يتجلى في مجموعتين من القصص القصيرة، نشرتا بعد موتها، هما: «دلتا فينوس»
अज्ञात पृष्ठ
Delta of Venus ، و«فتيات صغيرات»
Little Girls .
داعبتني فكرة ترجمة اليوميات، التي تمثل رحلة رائعة من أجل اكتشاف الذات، خاصة بعد نشر أجزاء كاملة منها، بالأسماء الحقيقية للشخصيات الواردة بها، عام 1986م، بعد وفاتها. لكنني اصطدمت بالصعوبة التي تواجه كل من يحاول اليوم ترجمة الإنتاج الأدبي العالمي الحديث إلى العربية، فلن يتبقى شيء من «اليوميات»، إذا جردت من التحليل الدقيق لمشاعر الكتبة، أو من بعض المعلومات الكاشفة عن شخصيات معروفة مثل هنري ميلر (من قبيل انشغاله بصغر حجم أعضائه التناسلية، وهو ما قد يفسر إصرار الراوية في معظم كتبه وخاصة تلك التي كتبها عن عمد من أجل الإثارة الجنسية مقابل دولار واحد للصفحة، على الإشادة دائما بالعكس!) •••
ولم أواجه هذه الصعوبة إلا في القليل، عندما قررت أن أترجم نصا آخر للكاتبة الفرنسية، فرانسواز ماليه-جوريس
Francoise Mallet-Joris ، تتقصى فيه العلاقة بين فتاة مراهقة وامرأة مجربة ذات نزعات سادية، كتبته المؤلفة عندما كانت في العشرين من عمرها (ولدت سنة 1930م)، وأثار فضيحة كبرى عند نشره في العام التالي (1951م)، تحت عنوان «شارع رامبار دي بيجوين
Rampar des beguines »، وبالرغم من ذلك فقد تابعت الكتابة، لكنها لم تلق ما حققته من نجاح بروايتها الأولى، وإن كانت قد نالت جائزة فيمينا الفرنسية عام 1970م عن رواية بعنوان «منزل الورق».
عثرت على ترجمة إنجليزية لهذا النص في مجموعة هامة من الكتابات المتنوعة التي تتناول قضية الجنس المثلي لدى المرأة، صدرت سنة 1960م عن دار
Fawcett
الأمريكية بعنوان
Carol in a thousand cities
अज्ञात पृष्ठ
من إعداد وتقديم شخصية فريدة أخرى تدعى آن ألدريش
Ann Aldrich ، يمكن وصفها بأنها راعية لهذا الشكل من الحب الذي طالما أثار مشاعر العداء والكراهية ولم يحظ بشيء من الفهم إلا أخيرا. ويتضح دورها من عنواني الكتابين اللذين نشرتهما قبل المجموعة التي نحن بصددها وهما: «نحن أيضا لا بد أن نحب»، و«نحن نسير بمفردنا».
والمجموعة المذكورة تضم بعض القصص القصيرة، منها قصة «لجي دي موباسان»، والدراسات العلمية، منها واحدة «لفرويد» وأخرى «لسيمون دي بوفوار»، وبضع «حالات» واقعية على لسان بطلاتها، بالإضافة إلى مختارات من مجلة تصدرها مجموعة من نصيرات الحب المثلي باسم ،«السلم»
The ladder .
تقول ألدريش في مقدمة الكتاب، إن المرأة المثلية كانت موضوعا مثيرا للأدب من عصر «سافو» في القرن السادس قبل الميلاد، «ولما كان الأدب هو مرآة الحياة، فإن ما تعكسه هذه المرآة يبلور أفكار وآراء أغلبية كبيرة من الناس. ويمكننا أن نعرف الكثير عن موضوع المثلية النسائية بقراءة التعبير الأدبي القصصي عنه، مثلما يحدث عندما نقرأ الدراسات العلمية عنه.»
وتلاحظ ألدريش أن الكتابات المعاصرة لا تتعامل مع المثلية النسائية كحالة شاذة جديرة بالإدانة أو السخرية، وإنما كموضوع واقعي جدير بالاهتمام والفهم. فقد اختفت الصورة القديمة للمرأة المثلية، (الشريرة أو المجنونة وفي أحسن الحالات المسترجلة ذات الشعر القصير والبنطلون) وحلت محلها صورتها الواقعية كامرأة، لا ككائن غريب بين الجنسين. •••
لم تخل رحلتي بين النصوص النسائية، من البحث عن فضاء مغاير لذلك الذي تسكنه وتملؤه ضجيجا الطبقة الوسطى في الغرب. ووجدت ضالتي في كاتبة من جنوب إفريقيا، تدعى بسي هيد
Bessie Head ، ولدت عام 1937م وتوفيت أخيرا، وتدور جل قصصها في بوتسوانا، حيث استقر منفاها.
ففي قصتها الرائعة «جامعة الكنوز»
The collector of treasures ، تعبر بأسلوب بسيط له نكهة خاصة، تقربه إلى القصص الشعبي، عن نمط من الخواء الجنسي، في مجتمع متخلف يمر بمرحلة انتقال، يدفع بالمرأة إلى أقصى درجات اليأس، فتجتز الأعضاء التناسلية لزوجها.
अज्ञात पृष्ठ
وفي تعليل هذا التطور المأساوي تقول الكاتبة إن أغلب الرجال في المجتمع الإفريقي الحديث مروا بثلاث فترات زمنية. في العصور القديمة، قبل الغزو الاستعماري، كان الرجل يعيش حسب التقاليد والتابوهات التي حددها أسلاف القبيلة. وقد ارتكب هؤلاء الأسلاف أخطاء فادحة، أكثرها مرارة أنهم أعطوا للرجل مركز المتسيد في القبيلة، بينما اعتبروا المرأة، شكلا ناقصا من أشكال الحياة الإنسانية.
ثم جاء العصر الاستعماري، وصحبته ظاهرة النزوح للعمل في مناجم جنوب إفريقيا، فتحطمت سيطرة الأسلاف، وتحطم الشكل القديم التقليدي للحياة العائلية، إذ اضطر الرجل للافتراق عن زوجته وأطفاله فترات طويلة، يعمل خلالها من أجل الفتات كي يجمع من النقود ما يكفي لسداد ضريبة الرأس الاستعمارية البريطانية.
وبدا الاستقلال مجرد بلوى جديدة فوق البلاوي التي نزلت بحياة الرجل الإفريقي. فقد غير نسق التبعية الاستعمارية تغيرا مفاجئا ودراميا. سنحت فرص أكثر للعمل في ظل برنامج المحليات الذي تبنته الحكومة الجديدة، وارتفعت الرواتب ارتفاعا صاروخيا، فتهيأت الفرصة الأولى لحياة أسرية من نوع جديد، أرقى من نظام العادات الطفولي، ومن مهانة الاستعمار، ووصل الرجل إلى نقطة التحول هذه «حطاما هشا، دون أي طاقات داخلية. وكأنما استبشع صورته، فحاول أن يهرب من فراغه الداخلي، ولهذا أخذ يدور مبتعدا عن نفسه، فسقط في دوامة من التبديد والتدمير، أقرب إلى رقصة الموت.» •••
توفر لدي بذلك عدد من النصوص، يكفي لتشكيل الكتاب الذي اكتملت صورته في ذهني. وقررت أن أستهله بنص فرانسواز ماليه، الذي يحقق نوعا من التسلسل الزمني لمحتويات الكتاب، يواكب التدرج في العالم النفسي الذي تصوره.
إلا إني عندما أمعنت النظر في هذه النصوص، راعني أنها ترسم صورة قاتمة لحياة المرأة الجنسية، تخلو من بهجة النشوة أو التحقق الذي نقابله أحيانا على الأقل في الحياة! وأمدتني كاتبة سوداء أخرى، من أمريكا هذه المرة، هي توني موريسون
Toni Morisson ، التي تمارس التدريس الجامعي، وتعتبر من أهم روائيي الولايات المتحدة اليوم، كما وصفت بأنها: «د. ه. لورنس النفس السوداء»، أمدتني هذه الكاتبة بنص جميل تصف فيه لحظة التحقق الجنسي لدى المرأة، بكلمات أقرب إلى الشعر، ورد في روايتها «سولا»
Sula (1973م)، التي تتتبع حياة مطلقتين زنجيتين، نشأتا في بلدة صغيرة، واختارت إحداهما، «نيل»، أن تبقى في مكان مولدها وتتزوج وتنجب وتصبح من أعمدة المجتمع الأسود المتماسك. أما الأخرى، «سولا»، فتهرب إلى الجامعة، وتنغمس في حياة المدينة، ثم تعود إلى بلدتها، ساخرة متمردة. •••
لم يبق إذن سوى العثور على نص ملائم لخاتمة الكتاب. ووجدته في مقاطع من رواية حديثة، صدرت عام 1982م، للكاتبة الأمريكية مارلين فرنش
Marlyn French
التي ذاع صيتها في السبعينيات عندما نشرت رواية «حجرة النساء»
अज्ञात पृष्ठ
Women’s room . وتعمل مارلين هي الأخرى بالتدريس الجامعي. إذ تحمل دكتوراه في الأدب من جامعة هارفارد.
وبدت لي الرواية المذكورة، وعنوانها «القلب النازف»
The bleeding heart
وكأنها استئناف للحديث الدائر في رواية «الكراسة الذهبية» قبل عشرين عاما! وكأن شيئا لم يحدث، أو كأنما توقفت رحلة المرأة من أجل الاعتراف بمكانتها لتتأمل ما كسبت وما خسرت، فألفت نفسها ما زالت محكومة بعالم الرجل حتى وهي في قمة المجتمع، أستاذة جامعية وامرأة حرة، في أغنى البلاد وأكثرها تقدما، وتتساءل بمرارة: «لماذا تتكرر القصة القديمة دائما؟ فرغم نوايا الجميع الطيبة، فإن المرأة دائما هي التي تدفع الثمن.» •••
وأعترف بأنني ترددت طويلا قبل الإقدام على نشر هذا الكتاب. فالمواجهة المستمرة، طوال العقود الأخيرة، مع قوى الإمبريالية من ناحية، والتخلف والرجعية من ناحية أخرى، دفعت بعديد من القضايا، إن صوابا أو خطأ إلى مرتبة ثانوية، ومنها قضايا بالغة الأهمية، مثل تلك المتعلقة بوضع المرأة والأقليات الدينية والعرقية والجنس. وكان التقدير أن حل القضية الجوهرية، وهي التنمية المستقلة، سيسفر بطبيعته عن حل بقية القضايا.
حسنا! (بلغة الروايات المترجمة)، مرت السنوات دون أن تحل القضية الجوهرية، بل تعمقت التبعية، ونشر الأجنبي مظلته فوق بلداتنا، جنبا إلى جنب العباءة السوداء لقوى الظلام والردة. وتعمق الجهل بأمور صارت من أمد موضع دراسات نظرية وإحصائية ومعملية، وإبداعات أدبية وفنية. وازداد وضع المرأة تدنيا، وجرت محاولة إعادتها إلى ركن التفريخ، لتصبح مجرد «أداة جنسية»، كما كانت في الماضي السحيق، ومحاولة التعمية على مشاعرها وعواطفها، بل وعلى وجهها وملامحها الخارجية أيضا.
كل ما أرجوه من هذا الكتاب، هو أن يزيد من معرفتنا بالمرأة، وفهمنا لأنفسنا، وأن يساهم في تقريب اليوم الذي لا تدفع فيه نساء بلادنا الثمن!
صنع الله إبراهيم
أكتوبر 1992م
تقديم ثان
अज्ञात पृष्ठ
بعد الانتهاء من مخطوطة هذا الكتاب، وقبل دفعها إلى المطبعة وقع تطوران:
الأول هو أن الكاتبة الأمريكية «توني موريسون»، التي ترجمت لها نصا من إحدى رواياتها، نالت جائزة نوبل للآداب عن عام 1993م. وبرغم أنه سبق ترجمة إحدى رواياتها إلى العربية، فإن النص الحالي المأخوذ عن روايتها «سولا»، هو في رأيي أول نص للكاتبة ينقل كاملا إلى اللغة العربية، وهي مهمة شاقة للغاية بالنظر إلى ما يتميز به أسلوبها من حرية في التعامل مع المادة الأدبية والحياتية على السواء، من شأنها أن تؤذي النفوس التي أرهف الجهل والتخلف حساسيتها، وأظن أن النص الحالي هو الوحيد الذي سينشر لها كاملا باللغة العربية، في مصر على الأقل، وأنها ستنضم إلى قائمة الكتاب العالميين الممنوعين من دخول البلاد، ومن بينهم زميلها في الجائزة، نجيب محفوظ، الذي ما زالت روايته الهامة «أولاد حارتنا» محظورة على المصريين!
التطور الثاني: هو اضطراري للتدخل في بعض الأماكن من النصوص الحالية وخاصة في نص رقيق للغاية هو «استيقاظ مود » الذي أزلت منه مقاطع كاملة واستبدلتها بالنقاط المشهورة التي ألف «إحسان عبد القدوس» أن يزركش بها كتاباته الأولى! فعلت ذلك بكل حزن وألم لكي أضمن وصول رسالة الكتاب الأساسية إلى القارئ المصري، وهي الرسالة التي أشرت إليها في نهاية المقدمة الأولى وأضيف إليها الآن: تقريب اليوم الذي نستطيع فيه أن نكتب عن أدق أمور حياتنا، وننقل الإبداعات العالمية إلى لغتنا، دون أن يتدخل مقص الغباء والجهل وضيق الأفق!
ص. إ
القاهرة
16 أكتوبر 1993م
بين ذراعي تامارا
شارع رامبار جي بيجوين للكاتبة الفرنسية فرانسواز ماليه - جوريس (1951م)
Ramprant des Beguines Par Francoise Maller - Joris 1951 (تبدأ رواية شارع رامباردي بيجوين، بفتاة صغيرة في الخامسة عشرة من عمرها، تكتشف وجود عشيقة سيئة السمعة لأبيها فتقرر زيارتها. وتجد نفسها أمام مطلقة روسية في الخامسة والثلاثين من عمرها، تدعوها للمجيء مرة أخرى: «الخميس .. حوالي الثالثة أو الرابعة إذا شئت».)
كل ما أعرفه من تامارا جمعته بالتدريج من شذرات المعلومات التي صادفتني في الرسائل القديمة، وألبوم صور، ومما كان يصدر عنها أحيانا من عبارات. لم تكن تحب الحديث الحميم عن نفسها؛ لأنها كانت تمقت الفشل، وكانت تعتقد أنها لم تنجح في حياتها. كانت مزيجا غريبا من الكبرياء الجريح، والطموحات المحبطة التي ما تزال حية، وكانت تجمع بين اللامبالاة التامة والاهتمام المشبوب بالبشر. كل هذا كان ممتزجا بأمور أخرى، ما زالت تحيرني حتى اليوم، وهو غالبا ما جعل سلوكها يفتقر إلى الترابط. على الأقل هذا ما أفسر به الآن ثقتها الغريبة بالنفس، واهتمامها بلقائي، ونفاد الصبر الذي استقبلتني به عندما دققت جرس بابها، كما طلبت مني، يوم الخميس التالي.
अज्ञात पृष्ठ
جاءت إلى الباب في غلالة، وقد تشابكت خصلات شعرها فوق جبهتها الناعمة، وبدت ناعسة، غاضبة. وقبل أن تسمح لي بالدخول، حدقت في برهة، كأنها لم تعرفني.
وأخيرا قالت: «أوه هذه أنت! كنت نائمة.»
كنت قد ظننت أنها ستطردني. دلفت إلى الغرفة الزرقاء الكبيرة، وأنا ألقي بنظرة حائرة على الفوضى الضاربة في أرجائها. كان المقعدان الجلديان مقلوبين، والمائدة حافلة بأعقاب السجائر، مثل يوم زيارتي الأولى (فتامارا تطفئ سجائرها في أي مكان، وبأي طريقة، ولا تنظف مسكنها غير مرة واحدة في الأسبوع) والكتب والأسطوانات الموسيقية مبعثرة فوق الأرض. ذلك اليوم، بالرغم من اضطرابي، كان بوسعي أن أرى الحليات الصغيرة التافهة الموزعة فوق الأرفف، والتماثيل الزجاجية، والأقنعة الإفريقية. وفي نهاية الغرفة بدا مطبخ أبيض اللون من خلال باب مفتوح.
توقعت أن تقدم تامارا، على الأقل، تفسيرا ما لهذه الفوضى التي لا تصدق، لكنها لم تفعل. لقد أنشأني أبي - إذا كان بالإمكان حقا القول بأني تلقيت تربية ما - على اعتبار النظام واحدة من الخصائص الجوهرية للإنسان، وعلى الاعتقاد بأن انتفاءه يعني انتفاء الإحساس الجوهري بكرامة الإنسان؛ أبسط إحساس بالكرامة. فهل يجب علي أن أستخلص من وضع الغرفة، أنه كان يقول لي ما لا يعتقد؟
تخيلت أنها تبذل بعض الجهد، قبيل زيارته، لعمل شيء من الترتيب في الغرفة. ولم أكن مخطئة تماما في تصوري. ففيما بعد، أدركت أن أبي، دون أن يكون في الأمر نفاق ما، يمكن أن ينفر من الفوضى في منزلنا، بل ويعاني منها جسديا، بينما يميل إلى وجودها في أماكن أخرى، وفي الحالة الأخيرة يعتبرها خلفية تصويرية؛ نوعا من الإطار الذي يضاعف من شعوره بأنه في جو مختلف تماما أثناء وجوده مع تامارا. نفس ما اجتذبني في مثل هذا المنزل الغريب. كان مسليا، مضحكا، لكن أبي ما كان ليرغب في الحياة فيه، أيا كان الثمن. وعندما فهمت ذلك، أدركت أيضا أنه لم يكن يفتقر إلى الخيال، كما سبق أن قررت بحسم، بغرور الفتاة الصغيرة. لكن الخيال لديه كان مجرد لهو وتسلية، ترويح لطيف، بينما جعلت منه أنا، بالتمرينات المستمرة، ودون أن ألحظ الأمر، وحشا التهم كل شيء، حتى قوة إرادتي.
بينما كانت بعض هذه الخواطر تجول في ذهني، أنعشت تامارا وجهها بماء العطر، ثم مشطت خصلاتها الكثيفة في شيء من الشرود، دون أن تلتفت نحوي، كأنما لم يكن لي وجود.
قالت أخيرا بصوت خالص من أي عاطفة: «المسكن غير ملائم. إنه عبارة عن سلسلة من الغرف، سيئة التنظيم، بطول الجناح الخلفي من المنزل.»
مضت إلى المطبخ، وفكرت أنه من اللائق أن أتبعها. وفوجئت به يفتح على غرفة أخرى تقوم بدور المخدع .
كان فرش السرير مطويا، يوحي بأنها غادرته لتفتح لي الباب. وبجوار السرير كان ثمة مطفأة ممتلئة، موضوعة مباشرة على الأرض، قرب كتاب مفتوح. وكان الباركيه يلمع. ولم يكن ثمة سجاد، الأمر الذي كان مفاجأة محببة لي. ففي منزلي كنت أمقت الطريقة التي يظهر بها الآخرون فجأة دون تحذير؛ لأن الأبسطة الوثيرة كانت تخفي أقل الأصوات شأنا. وكانت نافذة كبيرة، كالتي في الغرفة الأخرى، تطل مثلها على البحيرة. وكانت هذه الغرفة أكثر فراغا، فبالإضافة إلى الفراش، لم يكن بها غير مقعد جلدي بذراعين، وصندوق مطعم ذي أدراج.
ألقت تامارا بغلالتها الفارسية فوق المقعد. كانت ترتدي بيجامة شاحبة الزرقة وخفا جلديا. أعجبت بقامتها النحيلة، وبلباسها الذي بدا بالغ الأناقة وأنا أقارن في رأسي بينه وبين ثياب نومي، وهي عبارة عن أشياء قديمة منتفخة، محلاة بباقات صغيرة من الزهور. كانت جوليا تصنعها لي، واحدة بعد الأخرى، كلما بليت إحداها، وكانت جميعا متماثلة.
अज्ञात पृष्ठ
قالت: «إنه مشهد جميل من هنا. لكني أحيانا أسمع موسيقى المقاهي طول الليل.» «وهل يمنعك هذا من النوم؟» سألتها في أدب، شاعرة أن هناك شيئا غير طبيعي في الطريقة المتصلبة التي أخاطبها بها، أنا التي أمقت أسلوب «الآنسات الحاصلات على تربية جيدة» اللاتي أرغمت على مخالطتهن. لكنها لم تشجعني على مخاطبتها بطريقة غيرها.
كانت قد جلست فوق الفراش. ولم تلبث أن تخلصت من خفها واستلقت بين الملاءات. شعرت بأني مثار سخرية وأنا واقفة أمامها، مثقلة بسترتي وحافظة كتبي، فقد كنت قادمة لتوي من المدرسة، واندفعت الدماء إلى وجهي من الغضب. كانت هي، عمليا، التي أمرتني بالمجيء، وها أنا واقفة أمامها كأني غير مرغوبة. شعرت أنها تستمتع بحرجي. أدركت ما يجب عمله: أن أنصرف، وأعود إلى منزلي، وأتجاهل احتجاجاتها. لكني لم أكن واثقة أنها ستحتج، وهذا هو، للغرابة، ما كبح جماحي. وأخيرا تكلمت.
قالت بهدوء، كأنما وصلت لتوي : «ضعي حافظتك إلى جوار الحائط واخلعي سترتك. ضعيها فوق المقعد. هذا حسن. والآن تعالي واجلسي هنا بجواري.»
عندما جلست فوق الفراش، تفحصتني بتعبير لم أره على وجهها من قبل، أقرب إلى الرقة.
قالت: «عليك أن تقرري الآن يا حبيبتي ألا تحملي أية ضغينة إزائي.» فوجئت بالنغمة الحميمة التي لجأت إليها، كأنما هي عادة قديمة لديها: «أنا لست دائما مرحة. لأسباب كثيرة. على أية حال، ليس الأمر بذي أهمية، ولا تستطيعين شيئا إزاءه. كل ما عليك هو أن تأخذي الأمور ببساطة كما هي، ولا تزعجي نفسك بشأن أي شيء.»
صعقت من أسلوب حديثها، كما لو كنت قد أعلنت للتو أني سأقضي بقية حياتي معها.
قالت بلطف: «خبريني بما كنت تفكرين فيه بالأمس.»
رغم سلوكها المربك، شعرت أني أستطيع الثقة بها. هكذا حاولت أن أشرح لها كل شيء: كيف أشعر أحيانا بأني شخصان، أو أن جزءا مني يتلاشى تماما في بعض الأحيان، وعن ذلك البيت في قصيدة فيدرا الذي يلح علي دائما، والذي تتمنى فيه أن تهبط مع هيبوليت إلى المتاهة.
قاطعتني بعد لحظات: «يا طفلتي العزيزة! لك خيال خصب. خصب للغاية!»
قلت محتجة: «أنا لست طفلة، كما أنك لست كبيرة جدا أيضا.» - «أنا في الخامسة والثلاثين.» - «أوه!» لم أجد ما أقوله ردا على هذا التصريح الذي أدهشني. لكني بعد أن تفحصتها بإمعان، تبينت الخطوط الخفيفة في أركان عينيها ووجنتيها البضاوين، والحلقات السوداء حول عينيها. وما كان بوسع أي ملاطفة أن تترك في أثرا قدر الذي تركته علامات الجمال الزائل هذه. - «خمس وثلاثون سنة. إنها لا تعني لك شيئا. لكنها تعني لي الكثير. كل ما تركته ينساب من بين أصابعي: الزواج، الثروة، حب حقيقي. خمس وثلاثون. ولم أستسلم بعد. ليس تماما. فها أنا ذا يا عزيزتي، أسيرة هذه البلدة الصغيرة. على أية حال، أنا انطلقت من بلدة صغيرة مثل هذه، بل أصغر منها. وهناك كنت أعيش في كوخ، أسوأ من هذا الماخور القديم الذي أعيش فيه الآن.»
अज्ञात पृष्ठ
أوشكت أن أقاطعها لأقول لها إني أحب هذا المنزل كثيرا، لأسألها عن معنى كلمة «ماخور»، لكني أحجمت خوفا من أن تعنفني، أو تتوقف عن الحديث. كانت تنظر إلي بمودة - أو هكذا ظننت. - «أنت أيضا سوف تخرجين إلى العالم من بلدة صغيرة. لأنك تحلمين بمغادرة هذا المكان، أليس كذلك؟ وإني لأتساءل: إلى أين سينتهي بك المطاف؟! لا يمكنني إسداء النصح إليك. لقد كنت أعرف دائما ما يتعين علي أنا عمله، لكني لم أعمله أبدا! ربما ستكون الأمور أسهل بالنسبة لك؛ فأنت بريئة للغاية.»
أثرت في صراحتها. وتنبأت بصداقة طويلة، تتخللها أحاديث حميمة، مثيرة. وهيئ لي أني قد وجدت أخيرا ملجأ، مكانا بعيدا عن المنزل، يرحب بي وقتما شئت. وقبلت يدها مرة ثانية.
تفحصتني في فضول.
قالت برقة: «اخلعي حذاءك يا عزيزتي.» كأنما ذلك كان شيئا طبيعيا للغاية.
استغرق مني فك رباط حذائي وقتا طويلا للغاية. كانت يداي ترتعشان بشدة، مما أرغمني على تكرار المحاولة إلى أن نجحت. - «والجوبة .. والبلوزة .. هذا حسن. والآن تعالي إلى الفراش.»
كنت أرتعد، دون أن أستطيع السيطرة على نفسي، وأنا أدلف إلى الفراش. وانفكت شبكة شعري، وسمعت صوتها (لم أجرؤ على النظر إليها) يقول بلهجة عادية: «شعرك جميل.»
تلمست كتفها بحركة غريزية لأخفي وجهي به، وشعرت أن شيئا مرعبا على وشك الحدوث. لكنها رفعت ذقني إلى أعلى، وأجبرتني على النظر إليها.
قالت: «مؤكد أنك لست خائفة؟ لا يمكن ... في سنك.»
كانت قد رفعت نفسها قليلا إلى أعلى، معتمدة بمرفقها على الوسادة، وكنت أرقد متصلبة، يغمرني الفزع. لكنها انحنت خارج الفراش، وأدارت فيما يبدو جهازا للراديو، فوق الأرض، لأن الموسيقى الناعمة ما لبثت أن تصاعدت.
قالت: «هذا أفضل، أليس كذلك؟» وجذبت رأسي إلى أسفل فوق صدرها: «لا تقولي شيئا. استريحي.»
अज्ञात पृष्ठ
أطعتها. وسرعان ما كنت قادرة على الإنصات للموسيقى في شيء من الطمأنينة. وعدت إلى مداركي، فأخذت أتساءل عما أفعله في فراش هذه السيدة بينما أنا في نصف ملابسي.
كنت بالذات منزعجة بشأن ملابسي الداخلية. فبدافع الرغبة في المعارضة، ولأكون مختلفة عن قريناتي، اللاتي لا يفكرن في غير المخرمات والمطرزات والحرائر، كانت ملابسي الداخلية من الكتان الخشن دون تبييض. لكنني اليوم كنت أتمنى أن أكون في ذلك النوع من الملابس الذي أمقته. ومع ذلك، بدأت أشعر بالتحسن تدريجيا بينما كنت أحدق في السقف، ويد تامارا تملس لي شعري.
قالت: «تشجعت الآن قليلا يا عزيزتي؟ أتشعرين بالبرد؟»
هززت رأسي نفيا. - «أرى أنك ما زلت غير مستعدة للحديث. لكن ابذلي مجهودا! احكي لي عن نفسك. ماذا فعلت بالأمس؟»
حاولت لكني لم أستطع التفوه بكلمة. «قولي شيئا ... أيا كان!»
بدت نافدة الصبر بعض الشيء، الأمر الذي أصابني بالشلل. وللمرة الثانية رفعت وجهي إلى أعلى وتأملتني بإمعان: «اصغ إلي يا طفلتي. إذا لم تقولي شيئا خلال خمس دقائق، سأصفعك. قولي شيئا ولو حتى أوه! لك الخيار.»
لم يبد عليها الغضب، لكني أدركت أنها تعني ما تقول.
همست برغمي: «أنا خائفة!»
أجابت بهدوء بالغ: «هذه بداية طيبة.»
لكن الصدمة التي شعرت بها من جراء تهديدها، ضاعفت من خوفي وحرجي، ودفعتني إلى الانخراط في البكاء. وعلى الفور انحنت علي وأخذتني بين ذراعيها. شعرت بجسدها النحيل، ذي العضلات المفتولة، كأنه لصبي. وضعت ذراعا تحتي وهي تهدهدني، وفاضت دموعي فوق رقبتها وصدرها.
अज्ञात पृष्ठ
كنت دائما أهوى البكاء. وفي الخامسة عشرة كنت أبكي لأي سبب: كتاب، كلب تعرض للدهس في الشارع، كلمة حادة، مشهد طبيعي جميل، كونسير، أغنية حزينة، وعندئذ أشعر بقلبي وقد انشطر إلى جزأين، وتحطم في صدري، محدثا ألما لذيذا. وكانت جوليا تأخذني هكذا بين ذراعيها، وتمدني كلماتها المطمئنة بمتعة غامضة. هكذا ذقت بين ذراعي تامارا بهجة التسرية والعناق، وسماع الكلمات الحانية، والمتعة الطبيعية في القبلة الطويلة التي أعقبتها.
لم يسبق لي أن قبلت أحدا من قبل بهذه الطريقة، ورغم أني طالما أنصت لثرثرة زميلاتي عن فتاة بلا حياء سمحت لكل أولاد المدرسة بتقبيلها في فمها، لم تكن لدي أية فكرة عن القبلة وما تعنيه.
والواقع أني ظللت طوال أسابيع في أعقاب هذه القبلة الأولى، تحت وهم أنها ابتكار رائع لتامارا ذاتها . وذات يوم قررت أن أرضي فضولي، فأمعنت النظر عن قرب إلى عاشقين يتبادلان القبلات في الحديقة العامة، وهو سلوك كنت أتجنبه دوما بدافع من شعور بالاشمئزاز، فزالت عندئذ كل أوهامي.
هكذا كانت تلك القبلة كشفا تاما ورائعا. ولم تكد تكف عن تقبيلي حتى رفعت إليها شفتي من جديد. وفيما بعد، جردتني كلية من ملابسي، ولاطفتني بيدها، كما يداعب الإنسان جوادا، لكني كنت عاجزة عن التفكير في شيء آخر، وبدت لي لذة تقبيلها تامة، كما كنت عاجزة عن التغلب على الارتباك اللذيذ الناشئ عن وجودي بهذا القرب من شخص آخر، وهو أمر لم أتخيل أبدا إمكان حدوثه. وبين القبلات، التي لم أمل منها مطلقا، رويت لها كل شيء، في سيل متدفق من الاعترافات المختلطة، ضمنته كل ما حلمت به أو تخيلته أو رغبت فيه. بل اختلقت بعض الأمور، عندما لمست مدى اهتمامها، وقفزت من مكاني عندما قالت في سلطان هادئ: «حان الوقت لأن ترتدي ملابسك يا عزيزتي وتنصرفي إلى منزلك.»
كنت أترنح من السعادة عندما تركتها، ومضيت أتحسس الجدران والأشجار والثلج. كنا قبل الكريسماس بيومين، وشعرت أني تلقيت هدية من السماء.
هكذا بدأت الأمور بيني وبين تامارا. •••
من النظرة الأولى لصورة إميلي، قد أبدو شبيهة بها. أنا نفسي ظننت ذلك عندما عثرت على الصورة الكبيرة في ألبوم تامارا، الأمر الذي أعطاني نوعا من الصدمة. لكني عندما تأملتها بدقة أكثر، اكتشفت سطحية الشبه. كان لإميلي شعر ذو لون بني خفيف، وعيون كبيرة، وملامح متناسقة - مثلي. لكنك سرعان ما تتبين أن تعبيرها أكثر برودة، ويجب أن أضيف، أكثر ذكاء. فأنا أمتلك - طبقا لرأي تامارا - نظرة بليدة. وقد واسيت نفسي عندما قالت تامارا ذلك، بأن انتحلت لعيني صفة «عيون الثور» التي اعتبرها اليونانيون مقياسا للجمال.
كانت ملامح إميلي أيضا أكثر رقة وتأثيرا من ملامحي. ولا شك أنها كانت مختلفة عني للغاية، وفقا للروايات المختلفة، ولهذا لم يكن بإمكاني أن أطمح إلى منافسة الفتاة التي كانت الحب العظيم في حياة تامارا.
ما عرفته عنها من تامارا (التي كان يؤلمها الحديث في هذا الموضوع) كان أقل مما علمته من قراءة الرسائل القديمة التي احتفظت بها، وتركتها بإهمالها المألوف، في الأدراج المفتوحة لمائدة زينتها. وكان بوسعك أن تتبين على الفور الفرق بين خطينا، وأن خط إميلي هو النقيض التام لخطي. كان كبيرا ثابتا، حاد الزوايا، مدت الخطوط العرضية لحروفه بإحكام ينطق بالعزم والعناد. أما خطي أنا، يا للسماء! فكان خط تلميذة، ينطق بالجهد: الحروف مستديرة ومهتزة قليلا، نوع الخط الذي تطالعه في الكراسات المدرسية المسطرة، حيث تتوقع أن تقرأ تحته هذه الملاحظة: «جيد، لكنه متيبس بعض الشيء». طالما عانيت من خطي، كما كان الأمر مع وجهي، فرغم أن الآخرين قد يرونه شبيها بوجه مادونا ألمانية، كان يبدو لي مجردا من الشخصية تماما. كان ثمة شيء عارم وشيطاني في وجه إميلي، بينما كان وجهي، إذا لم يكن منفعلا من جراء عاطفة قوية، يبدو كأنما يعكس رصانة تامة.
لم أر إميلي مطلقا. لكني ظللت مهووسة بوجودها عدة شهور، لهذا يجدر بي أن أحكي القليل عنها وعن تامارا، قبل أن أظهر في حياتها.
अज्ञात पृष्ठ