والحكمة، فإذا به يصدِّرها بمؤلفات سراج الدين الأرمويّ، وفي مقدمتها مطالع الأنوار (١) الذي شاء الله له أن يشتهر، وتتناوله العلماء بالشرح والتحقيق ووضع الحواشي، ويقبلوا عليه إقبالًا منقطع النظير، فلا شك أن علمي المنطق والحكمة كان القاضي الأرموي فارسهما المغوار ورائدهما المحنك
بعد أن ألمَّ بمصنفات الشيخ الرئيس أبي علي بن سيناء (٢) والِإمام فخر الدين الرَّازيّ، فقد حذق دقائق هذا الفن وخباياه، وعرف عويصات مسائله ولا زال أجلة العلماء في هذا الفن يَردون مصنفاته العظيمة عطاشًا فيصدرون عنها بعد أن تبتل العروق ويذهب الظَمأ.
وأما سراج الدين الأرموي العالم بالأصول، فلم يقتصر على كتاب واحد في هذا الفن. والناظر في كتابه التحصيل يجد علمًا غزيرًا ونظرًا ثاقبًا دقيقًا وتنظيمًا غريبًا عجيبًا في التصنيف وإيراد الإشكالات والرد عليها، فذلَّل بذلك علم المنطق لخدمة علم الأصول. ولا تكاد تفارق التحصيل رائحة علم
الكلام، فقد أورد الكثير من مسائله في كتابه التحصيل مما تمس له الحاجة، فقد كان ﵀ أصوليًا بارعًا ذا رأي سديد واجتهاد مصيب، فاستدرك على إمام الزمان وعلّامة القرن السادس الهجري بلا منازع فخر الدين محمَّد ابن عمر الرَّازيّ المتوفى سنة ٦٠٦ هـ، صاحب العلوم الغزيرة والعقل المستنير، وصاحب التفسير الذي سارت بذكره الركبان ولا يزال منهلًا عذبًا للحكماء والعلماء.
وقد ساهم القاضي الأرموي ﵀ في علم الكلام بكتابه العظيم اللباب مختصر الأربعين للإمام الفخر الرَّازيّ.
وقد ساهم في الفقه حيث امتدت يده إلى الوجيز (٣)، الذي ذاع صيته بين الفقهاء، وتناولته الفقهاء بالاختصار والشرح ووضع الحواشي والتعليق حتَّى قال البيلقاني (٤): وقفتُ للوجيز على سبعين شرحًا.
_________
(١) انظر مؤلفات الأرموي في هذا الكتاب.
(٢) وردت ترجمته في القسم التحقيقي.
(٣) الوجيز كتاب فقه مطبوع للإمام الغزالي.
(٤) هو زكي بن الحسين بن عمر أبو أَحْمد البيلقاني، فقية مناظر متكلم أصولي، ولد سنة =
1 / 52