وحكى (١) لي بعض الفقهاء بالموصل أن ابن الصلاح المذكور سأله أن يقرأ عليه شيئًا من المنطق سرًا، فأجابه إلى ذلك، وتردد إليه مدة فلم يفتح عليه بشيء، فقال له يا فقيه، المصلحة عندي أن تترك الاشتغال بهذا الفن.
فقال له: ولمَ ذلك يا مولانا؟ فقال: لأن الناس يعتقدون فيك الخير، وهم ينسبون كل من اشتغل بهذا الفن إلى فساد الاعتقاد، فكأنك تفسد عقائدهم فيك، ولا يحصل لك من هذا الفن شيء فقبل إشارته وترك قراءته.
ومن يقف على هذه الترجمة فلا ينسبني إلى المغالاة في حق الشيخ، ومن كان من أهل تلك البلاد وعرف ما كان عليه الشيخ، عرف أني ما أعرته وصفًا ونعوذ بالله من الغلو والتساهل في النقل.
وقد ذكره أبو البركات بن المستوفي (٢) المتقدم ذكره في تاريخ أربل.
فقال: هو عالم مقدم، ضرب في كل علم. وهو في علم الأوائل كالهندسة والمنطق وغيرهما ممن يشار إليه، حل إقليدس والمجسطي على الشيخ شرف الدين المظفر بن محمد بن المظفر الطوسي الفارابي (٣) يعني صاحب
_________
(١) أي حكى لابن خلكان صاحب وفيات الأعيان، وهذه القصة غير موجودة في وفيات الأعيان
المطبوع وقد راجعت منه طبعتين فلم أجد هذه القصة وكنت قد ظننت أن هذه القصة إدراج من ابن السبكي، ولكن وجدت أن صاحب الطالع السعيد قد نقلها أيضًا، مما يدل على أن كتاب وفيات الأعيان المطبوع فيه نقص.
(٢) هو أبو البركات بن أبي الفتح بن المبارك بن موهوب اللخمي شرف الدين بن المستوفي الأربيلي، كان عالمًا بالنحو واللغة والعروض والقوافي وأشعار العرب وأخبارهم، له تاريخ أرل في أربع مجلدات. شرح شعر المتنبي وأبي تمام في عشرة مجلدات. وكتاب إثبات المحصل في نسبة أبيات المفصل في مجلدين تكلم فيه على شواهد الزمخشري في المفصل. وسر الصنعة وكتاب (أبو قماش في الأدب والنوادر) سمع منه ابن خلكان كثيرًا، تولى الديوان ثم الوزارة سنة ٦٢٩ هـ، كان مولده منتصف شوال سنة ٥٦٤ هـ بأربل، وتوفي بالموصل يوم الأحد الخامس من محرم سنة ٦٣٧ هـ، ترجم له مرآة الزمان ٦٤٤، الحوادث الجامعة ١٣٥، بغية الوعاة ٣٨٤، العبر ٥/ ١٥٥، شذرات الذهب ٥/ ١٨٦، ابن خلكان ٤/ ١٤٦.
(٣) شرف الدين المظفر بن محمد بن المظفر الطوسي الفارابي. رياضي له تصانيف في الجبر والمقابلة والهندسة، توفي بعد ٦٠٦ هـ (انظر ترجمته في معجم المؤلفين ١٢/ ٣٠١ تراث العرب العلمي لقدري طوقان ص ٣٥٦).
Brockman g،١: ٤٧٢. s،١: ٨٥٨.٨٥٩.
1 / 42