صاحب التعليقة في الخلاف والزيج والتصانيف المشهورة من الموصل إلى إربل في سنة ٦٢٦ هـ، ونزل بدار الحديث وكنت أشتغل عليه بشيء من الخلاف، فبينما أنا يومًا عنده إذ دخل عليه بعض فقهاء بغداد. وكان فاضلًا فتجاريا في الحديث زمانًا. وجرى ذكر الشيخ كمال الدين في أثناء الحديث، فقال له الأثير: لما حجَّ الشيخ كمال الدين ودخل بغداد كنتَ هناك؟ فقال: نعم. فقال: كيف كان إقبال الديوان العزيز عليه؟ فقال: ذلك الفقيه. ما أنصفوه على قدر استحقاقه فقال الأثير: ما هذا إلَّا عجبٌ والله ما دخل بغداد مثل الشيخ فاستعظمت منه هذا الكلام وقلت: يا سيدنا كيف تقول كذا؟ فقال: يا ولدي ما دخل بغداد مثل أبي حامد الغزالي ووالله ما بينه وبين الشيخ نسبة.
وكان الأثير على جلالة قدره في العلوم، يأخذ الكتاب ويجلس بين يديه فيقرأ عليه والناس يوم ذلك يشتغلون في تصانيف الأثير، ولقد شهدت هذا بعيني وهو يقرأ عليه كتاب المجسطي. وقد حكى لي بعض الفقهاء: أنه سأل الشيخ كمال الدين عن الأثير ومنزلته في العلوم. فقال: ما أعلم. فقال: وكيف هذا يا مولانا وهو في خدمتك منذ سنين عديدة يشتغل عليك؟ فقال: لأنني مهما قلت تلقاه بالقبول. وقال: نعم يا مولانا. فما جادلني في مبحثٍ قط حتى أعلم حقيقة فضله. وكان الأثير معيدًا عنده في المدرسة البدريَّة وكان يقول: ما تركت بلادي وقصدت الموصل إلا للاشتغال على الشيخ.
وكان شيخنا تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح المتقدم ذكره يبالغ في الثناء على فضائله وتعظيم شأنه وتوحده في العلوم فذكره يومًا وشرع في وصفه على عادته. فقال له بعض الحاضرين: يا سيدنا على من اشتغل ومن كان شيخه؟ فقال: هذا الرجل خلقه الله إمامًا عالمًا في فنونه، لا يقال: على من اشتغل ولا من كان شيخه فإنه أكبر من هذا.
_________
= ترجم له: معجم المؤلفين ١٢/ ٣١٥، كشف الظنون ٩٧، ٢٠٦، ٤٩٤، ٩٥٣، ١٤٩٣، ١٦١٦، ١٧٥٠، ٢٠٢٨.
1 / 41