ثم لا ندري متى رجع إلى قونية للاستقرار فيها، إلَّا أن كاتب مقدمة كتابه لطائف الحكمة قد- ذكر أن لطائف الحكمة قد صنفه القاضي سراج الدين الأرموي باسم سلطان السلاجقة في قونية والذي دخل في خدمته سراج الدين الأرموي عام ٦٥٥ هـ، وبعد ذلك استقر في قونية عاصمة سلاطين بني سلجوق واشتغل فيها قاضيًا ثم قاضيًا للقضاة، وكذلك مدرسًا حيث عرفنا اثنين فقط من تلاميذه في بلاد الروم وهما: الصفي الهندي محمد بن عبد الرحيم الهندي المتوفى سنة ٧١٥ هـ، والشيخ تاج الدين الكردي ولم نعثر على أسماء تلاميذ له آخرين في كتب التراجم. وبقي في مدينة قونية حتى انتقل إلى رحمة ربه راضيًا مرضيًا.
وعلى العموم يظهر لنا أن الأرموي- ﵀ قد قضى صدر حياته طالبًا للعلم في بلده ثم في الموصل. وبلغ من العلم أوجه حتى حظي بالمنازل الرفيعة عند السلاطين والحكام فبدأ حياته العملية مدرسًا في ملطية، ثم سفيرًا للملك الصالح نجم الدين أيوب عند الانبراطور، ثم انتظم في سلك القضاء مع المواظبة على مهنة التعليم، فبلغ من القضاء منصب قاضي القضاة وهو أعلى منصب علمي في ذلك الزمان، فكان في ذلك مثال النزاهة والذكاء والفطنة، ومع هذا لم يكن ليغفل مع تزاحم الأعمال عليه الاتصال بأقرانه، فكان يتردد على جلال الدين الرومي ويشارك في شؤون المسلمين العامة ويهتم بأمورهم.
عُلومُه وَمَنزلَتُهُ بَيَن العُلَماء
ذكر المترجمون لحياة القاضي سرج الدين الأرموي- ﵀ تعالى أنه برع في عدة فنون، وأجاد في أخرى. ولهذا، فالقاضي الأرموي لم يختص بنوع واحدٍ من الفنون بل كان موسوعة علمية متحركة. ويدل على ذلك مصنفاته العظيمة التي لازالت تتلألأ ناصعة نقية تكشف لنا عن دقةِ
_________
= المصنفات سالم مولى أبي حذيفة بدل صهيب. وانظر أيضًا أسنى المطالب للحوت البيروتي ص ٢٤٤.
1 / 27