لما أشار بالحروف إلى الكتاب المؤلف منها عقبه بذكر الكتاب، فقال تعالى: (ذلك الكتاب) قيل: أراد به القرآن، وذلك معناه، هذا عن الأخفش، وأنشد: أقول له والرمح يأطر متنه ... تأمل خفافا إنني أنا ذلكا أي هذا، وقيل: معناه ذلك الكتاب الذي وعدتك في الكتب السالفة، وعن المبرد: الكتاب الموعود به، وهو الوجه؛ لأن أصل ذلك إشارة إلى غائب، ولا يعدل عنه مع صحة معناه، ويصلح في البيت ذلك تقديره: أنا ذلك الذي سمعته به، وقيل: إنه تعالى وعده كتابا لا يمحوه الماء، ولا يخلق على كثرة الرد، فلما أنزل القرآن، قال: ذلك الكتاب الذي وعدتك، عن الفراء وأبي علي، وقيل: إنه تعالى كان أنزل عليه قبل سورة البقرة سورا كثيرة، وكفرت بها المشركون، فقال: ذلك الكتاب يعني ما تقدم من القرآن عن الأصم، وهؤلاء كلهم اتفقوا أن المراد بالكتاب القرآن، وعليه أكثر المفسرين، وروي عن بعضهم أنه أراد بالكتاب التوراة والإنجيل، وليس بصحيح؛ لأن إجماع المفسرين على خلافه.
ثم وصف الكتاب فقال: (لا ريب فيه) أي لا شك فيه أنه من عند الله، وأنه حق، ومعجز لا يقدر أحد على مثله، وقيل: لا ريب فيه أنه هدى، وقيل: معناه لا يرتابوا كقوله: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال)
ومتى قيل: كيف يصح قوله: (لا ريب فيه) مع كثرة ريب العقلاء فيه؟
قلنا: معناه: لا ترتابوا، وقيل: معناه: لا سبب فيه يوجب الريب، وقيل: لا ريب أنه هدى في نفسه، وإن كان الجاهل يرتاب به، فنفى الريب لا الارتياب.
هدى قيل: دلالة وبيانا للمتقين قيل: خصهم بالذكر وإن كان هدى لغيرهم، كما قال: (هدى للناس)؛ لأنهم انتفعوا به، واهتدوا بهداه، وقيل: لأن غيرهم أعرض عن الاهتداء به، فخرج الكلام مخرج من لا يعتد بهم، وقيل: لأنه أراد به مدح المتقين لاهتدائهم به، فلذلك ذكرهم، وقيل: إنه أثبت أنه هدى لهم ولم
पृष्ठ 224