فإن قيل: لم أمر الله تعالى بقتال الكفار المعلنين الكفر ولم يأمر بقتال المنافقين وهم في الدرك الأسفل من النار؛ وخالف بين أحكامهم وأحكام الكفار المظهرين الكفر وأجراهم مجرى المسلمين في التوارث والأنكحة وغيرها؟ قيل: عقوبات الدنيا ليست على قدر الإجرام؛ وإنما هي على ما يعلم الله من المصالح؛ ولهذا أوجب رجم الزاني المحصن ولم يزل عنه الرجم بالتوبة؛ والكفر أعظم من الزنا ولو تاب منه قبلت توبته. وكذلك أوجب الله على القاذف بالزنا الجلد ولم يوجبه على القاذف بالكفر؛ وأوجب على شارب الخمر الحد ولم يوجبه على شارب الدم.
[2.16]
قوله عز وجل: { أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى } أي أخذوا الضلالة وتركوا الهدى؛ واختاروا الكفر على الإيمان. وإنما أخرجه بلفظ الشراء والتجارة توسعا؛ لأن الشراء والتجارة راجعان إلى الاستبدال والاختيار؛ لأن كل واحد من المتبايعين يختار ما بيد صاحبه على ما في يده. قوله عز وجل: { فما ربحت تجارتهم }؛ أي فما ربحوا في تجارتهم؛ تقول العرب: ربح بيعك وخسرت صفقتك؛ ونام ليلك؛ توسعا. قال الله تعالى:
فإذا عزم الأمر
[محمد: 21]. وقرأ ابن أبي عبلة: (فما ربحت تجاراتهم) على الجمع. وقوله تعالى: { وما كانوا مهتدين }؛ أي من الضلالة؛ وقيل: معناه وما كانوا مصيبين في تجارتهم.
[2.17]
قوله تعالى: { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا }؛ أي مثل المنافقين في إظهارهم الإسلام وحقنهم دماءهم وأموالهم كمثل رجل في مفازة في ليلة مظلمة يخاف السباع على نفسه، فيوقد نارا ليأمن بها السباع، { فلمآ أضآءت } ، النار، { ما حوله } المستوقد؛ طفئت. فبقي في الظلمة؛ كذلك المنافق يخاف على نفسه من قبل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيسلم دماء الناس فيحقن دمه، ويناكح المسلمين فيكون له نور بمنزلة نور نار المستوقد؛ فإذا بلغ آخرته لم يكن لإيمانه أصل في قلبه، ولا حقيقة في عمله، سلب نور الإيمان عند الموت فيبقى في ظلمة الكفر، نستعيذ بالله. وقوله تعالى: { استوقد } يعني أوقد، قال الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
وقوله تعالى: { كمثل الذي } بمعنى (الذين) دليله سياق الآية؛ ونظيره قوله تعالى:
अज्ञात पृष्ठ