وعندي أنَّ هذا داخِلٌ في قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ﴾ لأنه تَعدَّى باللَّام يَعنِي: مَعناه الإحسان، فإن الإحسان أخصُّ أيضًا مِن حُسْن الخُلُق؛ لأنه يَتضَمَّن الإنعام على مَن لَطَفَ لَه.
وأمَّا قولُه ﷾: ﴿خَبِيرٌ﴾ الجبير هو العلِيم ببواطِنِ الأمور، وهو مع اللطيف كالمؤكِّدِ لَه، وقُلْنا: العِلْم ببواطن الأمور خِبْرَة، مَأخوذٌ من الخُبَار يَعنِي: الأرض الرِّخْوة التي تُبذَرُ فيها البُذُور وتُدَسُّ فيها، فهو خَبيرٌ ﷿ عالِمٌ ببواطنِ الأمور، ومِنها هذه الحبَّةُ التي مِن خَردَل تَكونُ في صَخْرة أوَ في السَّمَوات أو في الأرض.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: في هذه الوَصيةِ فائِدَة: وهي تَحذِيرُ الابْنِ مِن المُخَالَفة؛ لقوله تعالى: ﴿يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾ فلا تَخفَى عليه ولا تَفُوتُه.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: عُمُوم عِلْمِ اللَّه ﷿، وتَمَامُ قُدْرته، ويُؤخَذ العُمُوم مِن قوله ﷾: ﴿فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ﴾ والذي يَكون بادِيًا على الأرض، وليس في الصحراء مِن باب أَوْلى، فيُستَفاد مِنه: عُمُوم عِلْم اللَّه تعالى وإِحَاطَتِه وتمَامُ قدرته أيضًا، وذلك بالإتيانِ بِها.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثْبَاتُ هَذَيْن الاسمَيْن مِن أسماء اللَّه ﷾ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ وإثباتُ ما تَضَمَّنَاه مِن الصِّفَة.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ السمَواتِ مُتَعَدِّدةٌ، لقوله تعالى: ﴿أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ﴾ وعدَدُها مَعرُوف، وهو سَبْع، وأمَّا الأرض فلم تُذْكَر مَجْمُوعَةً في القرآن، فكلُّ ما في القُرآن