الآية (١١)
* قَالَ اللهُ ﷿: ﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [الروم: ١١].
* * *
هَذا لتَأْكِيدِ الإِيمَان بِاليْومِ الآخر، ذَكَّر الله ﷾ عبَادَه بأَمْرٍ يعْتَرِفُون بِه، وهُو أنَّه بدَأَ الخلْقَ ولَا أحَدَ يُنْكِرُ ذَلِك، لا أحَدَ يدَّعِي أنَّه خلَقَ نفْسَه، فَكُلُّ إِنْسَانٍ يعْرِف أنَّه مخلُوقٌ مِن عدَمٍ، ومنَ المعْلُومِ أنَّه لو ادَّعى أنَّه خُلِق مِنْ غير خالق فإنَّ كُلَّ أحدٍ يُكذِّبُه، وإِذَا أقَرَّ بأنَّه لَا بُدَّ مِن خالق فنَقُول لَهُ: مَنْ، عَيِّنهُ لنا؟ وحِينَئِذٍ لَا يستَطِيعُ أن يعيِّنَ، فنَقُولُ: إِنَّ الَّذي خلَقَكَ هُوَ الله.
قوْله تَعالَى: ﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ أيْ يُنْشِئُه أوَّلَ مرَّةٍ، كَما قالَ ﷾: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [يس: ٧٩]، وتطْوِيرُ الخلْقِ وجعْلُه أطوارًا أمْرٌ معلُومٌ؛ لأَنَّ هَذا هُو مقْتَضَى الحكْمَةِ، فمُقْتَضى حِكْمَةِ الله تَعالَى أنَّ الأشْيَاءَ تَتَطَوَّرُ شيْئًا فشيْئًا حتَّى تَصِل إِلَى حَدِّ الكمَالِ.
وقوْله تَعالَى: ﴿ثُمَ﴾ للترتيب بمهلَةٍ؛ لأَنَّ الإعادَةَ لا تكون إلا عنْدَ قِيَامِ السّاعَةِ، فقِيامُ السّاعَة يتأخَّرُ كَثِيرا عَنِ ابْتِدَاءِ الخلْقِ، ﴿يُعِيدُهُ﴾ أيْ يُرْجِعُه مرَّة ثانِيَة، وليْسَ يَبْتَدِئ خلْقًا جديدًا، وَإنما يُعِيدُ المخْلُوقَ الأوَّلَ، فلَيْس إنْشَاءَ خلْقٍ جدِيدٍ، بَلْ إعادَةُ مَا سبَقَ، وفرْق بَيْن الأمْرَيْن؛ لأَنَّنا إِذا قُلْنا أنَّه ابْتِدَاءُ خلْقٍ جدِيدٍ فمَعْنى ذَلِكَ أنْ يُعَذِّبَ مَنْ لم يَعْمَل، وأنْ يُنْعِّم مَنْ لم يعْمَل، وأيْضًا فإنَّ كوْنَه يَبْتَدِئ خلقًا جديدًا