لا تتركُني وعينُ الشَّمسِ نَعْلي ... فَتَقْطَعَ مِشَيتي فيها الشِراكاَ
قال الشيخ: هذا استفهام ليس عن جهل إنما هو تقرير وإعلام أن ما يفعله خطأ، ولكنه مضطر إلى فعله، كما يقول الرجل أتكرمني هذه الكرامة وأفارقك، أي أن ذلك لا يجب ولا يحسن. لأنك رفعتني حتى جعلت عين الشمس تعلي، فأمشي فيها مشيًا يقطع الشراك، أي لا ينبغي أن أفعل ذلك، ويجوز نصب) يقطع (ورفعها فالرفع عطف على) تتركني (، والنصب على إضمار) أن (لأنه جواب استفهام بالفاء.
إذَا التَّودْيعُ أعْرضَ قَالَ قَلْبيِ ... عَليك الصَّمْتَ لا صَاحَبْتَ فَاَكا
قال ابن جني: أي قال قلبي لا تمدح أحدا بعده.
وقال الشيخ: يقول إذا همت بالتوديع أمرني قلبي بالصمت ودعا علي فقال) لا صاحبت فاك (أي ليتك لا فم لك ينطق به فيودع
وَلَوْلاَ أنَّ أكَتَر ما تَمنَى ... مُعَاَوَدةً وَلاَ مُناكَا
قال الشيخ:) مناك (في موضع نصب لأنها كالمعطوف على قوله قال لا صاحبت فمك ولا أمانيك، وإنما يريد مناه التي تخطر بقلبه، لا الأماني التي تبلغ، لأنه نحل عليه بأن يتمنى شيئًا بم يكن بعد.
وقال الأحسائي: يقولا لولا أن قلبي أكثر مناه المعاودة إليك لقلت له لما قال لي: لا صاحبت فاكا، لا صاحبت أنت يا قلبي مناكا.
قَد اسْتَشْفَيْتَ من داء بِداءَِ ... وأقْتَلُ ما أعَلَّكَ ما شَفَاكَا
قال ابن جني: أي أضمرت يا قلب شوقا إلى أهلك فكان ذلك داء لك فاستشفيت منه بأن فارقت أبا شجاع، ومفارقته أيضا داء لك أعظم من داء شوقك إلى أهلك، فكأنك تداويت من فراقه بما هو أقتل لك من مكابدتك للشوق إلى أهلك، وهذا أيضا يشبه قول النبي ﷺ كفى بالسلامة داء (. وقول حميد بن ثور:
أرَى بَصرِيِ قَدْ رَابَني بَعْدَ صِحَّةٍ ... وَحَسْبُكَ دَاءٍ أنْ تَصِحَّ وَتَسْلماَ
وقال الشيخ: يقول قلبه قد استشفيت من داء وهو فراقك هذه الحضرة بداء وهو الوداع، وأقتل ما أعلك الذي يشفيك فيما تظن وهو وداعك.
وقال ابن فورجة: هذا قول قلبه له. يقول: قال قلبي: قد استشفيت يا أبا الطيب من فراق وطنك والشوق الذي تجده إليهم بفراق عضد الدولة، وأقتل ما أسقمك ما استشفيت به، يعني فراق وطنك أعلك، وفراق عضد الدولة شفاك، وهو أقتل من ذلك.
فلا تَحْمَدْهما وَاحْمدْ هُمَامًا ... إذَا لَمْ يُسْمِ حلمِدُهُ عَناكا
قال ابن فورجة: لا تحمد فهري ومداكي فلست بمعزك شهادة، واحمدهما، أي احمد نفسك يريد أن المادح إذا لم يسم ممدوحه فإنما يعنيك كما قال أبو نواس:
وإنْ جَرَتِ الأَلْفاظُ مِنَّا بمِدْحَةٍ ... اغَيْرِكَ إنْسانًا فأنتَ الَّذي نَعْنِي
وحامده يعني به نفسه لأنه شاعر عضد الدولة.
أذَمَّتْ مَكْرُماتُ أبي شُجاعٍ ... لِعَيْني مِنْ نَوايَ على أُولاكا
قال ابن جني: أي منعت مكرماته عيني أن يجري منها دموع أو أختار البعد عنه والمقام دونه، لأنني لا أعطي عنه الصبر لما فعله بي.
وقال الشيخ:) نواي (بعدي، وأذمت من الذمام أي أنه أعطاني ذمامًا على) الأولى (يعني أهله فزال بعدي عنهم، والمعنى أنه أذن في السير إليهم، فكأنه قد أذم لعيني من بعدهم والذي قاله الشيخ أبو الفتح لا يمتنع.
وقال الأحسائي: أي مكرماته تدنيني من بعد أحبابي وتزيل بعدي عنهم.
فَلَو سِرْنا وفي تَشْرينَ خَمْسُ ... رَأوْنِي قَبَلَ أنْ يَرَوُا السَّماكا
قال ابن جني: قد بالغ في ذكر السرعة وذلك أن السماك يطلع لخمس يخلون من تشرين الأول أي كنت أسبق بالطلوع على أهل الكوفة.
وقال الشيخ: السماك يطلع في أول تشرين، وفي كتاب أبي حنيفة الدينوري الموضوع في الأنواء أنه يطلع لتسع يمضين من تشرين الأول، وقال غيره يطلع لأربع يمضين من تشرين، وبيت أبي الطيب يصح إذا حمل على حكاية الدينوري ويستحيل في القول الآخر، لأنه ذكر أنه إذا سار بعد خمس رأوه قبل أن يروا السماك وهو يطلع لأربع فهذا يتناقض.
وما أنا غَيْرُ سَهْمٍ في هَوَاءٍ ... يَعُودُ وَلمْ يَجِدْ فيه امْتِساكا
1 / 56