[الإنسان:31] فلولا المبالاة ما ظهر هذا الحكم.
فللأمور والأحكام مواطن عرفها أهلها، ولم يتعد بكل حكم موطنه، والعالم لا يزال يتأدب مع الله وبعالمه في كل موطن بما يريد الحق، ومن لا يعلم ليس كذلك، فبالقدمين أغنى وأفقر، وبهما أمات وأحيى، وبهما خلق الزوجين الذكر والأنثى، وبهما أعز وأذل، وأعطى ومنع، وأضر ونفع، ولولاهما ما وقع في العالم شرك، فانهما اشتركتا في الحكم والعالم، فلكل منهما دار يحكم فيها، وأهل يحكم فيهم بما شاء الله من الحكم.
مكاشفة اخرى
[درجات غضبه تعالى]
اعلم أن النعيم والعذاب ثمرة الرضا والغضب، ولكل منهما ثلاث مراتب كما في باقي الصفات. فأول درجات الغضب يقضي بالحرمان وقطع الإمداد العلمي المستلزم لتسلط الجهل والهوى والنفس والشيطان. لكن كل ذلك موقتا إلى أجل معلوم عند الله في الدنيا، إلى النفس التي قبل آخر الانفاس في حق من يختم له بالسعادة الأخروية، كما ثبت في الحديث، سواء كانت سلطنة ما ذكر ظاهرا أو باطنا، أو هما معا. ولا شك في أن كلا من الأمور المذكورة مبادي كمالات دنيوية، ولذات عاجلية لمن في حزبها. والرتبة الثانية تقضي بانسحاب الحكم المذكور باطنا ها هنا، وظاهرا في الآخرة برهة من الزمان الأخروي، أو يتصل الحكم إلى حين دخول جهنم وفتح باب الشفاعة، وآخر مدة الحكم حال ظهور حكم أرحم الراحمين بعد انتفاء حكم شفاعة الشافعين.
والرتبة الثالثة تقتضي التأبيد ودوام حكم التبعيد، كما في قوله (صلى الله عليه وآله):
" ان الله لم ينظر الى الأجسام مذ خلقها "
، وكمال حكم هذا الغضب يظهر يوم القيامة، كما أخبر الرسل عن ذلك قاطبة بقولهم الذي حكاه نبينا (صلى الله عليه وآله) وعليهم: إن الله غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله، ولن يغضب بعده مثله. فشهدت بكماله شهادة يستلزم بشارة لو عرفت لم تيأس من رحمة الله، ولو جاز إفشاء ذلك، وكذا سر تردد الناس إلى الأنبياء (عليهم السلام)، وابتهالهم الى نبينا عليه وعليهم السلام، وسر فتح الله باب الشفاعة، وسر وضع الجبار قدمه فيها - يعني في جهنم - فينزوي بعضها الى بعض وتقول قط قط - أي حسبي حسبي - وسر السجدات الأربع، وما يخرج من النار كل دفعة، وما تلك المعاودة، وسر قول مالك خازن جهنم لنبينا (صلى الله عليه وآله) في آخر مرة يأتيه لاخراج آخر من يخرج بشفاعته: يا محمد ما تركت لغضب ربك شيئا، وسر قوله: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، وسر قوله سبحانه لنبيه عند شفاعته في أهل لا إله إلا الله: ليس ذلك لك.
الذي يقول في أثره شفعت الملائكة الحديث، وغير ذلك من الأسرار التي رمزت واجمل ذكرها مما يبهر العقول ويحير الألباب كما قيل:
وما كل معلوم يباح مصونة
अज्ञात पृष्ठ