العاشر: قال أبو بكر الزهري: إن الله تعالى علم أن طائفة من هذه الأمة تقول بقدم القرآن، فذكر هذه الحروف تنبيها على أن كلامه مؤلف من هذه الحروف؛ فيجب أن لا يكون قديما.
فهذه عشرة من الأقوال المذكورة في معنى هذه الفواتح وهي كثيرة اكتفينا بذكر هذه من غيرها، لأنها الأقرب إلى التصديق به، ومختار الأكثر هو كونها أسماء السور وعليه إطباق كثير من المفسرين منهم الإمام الرازي، واستدل عليه بأنها إن لم تكن مفهمة كان الخطاب بها كالخطاب بالمهمل والتكلم بالزنجي مع العربي، ولم يكن القرآن بأسره بيانا وهدى، ولما أمكن التحدي به.
وإن كانت مفهمة، فإما أن يراد بها الأعلام أو المعاني. والثاني باطل، لأنه إما أن يكون المراد ما وضعت له في لغة العرب، وظاهر أنه ليس كذلك. أو غيره، وهو باطل، لأن القرآن نزل على لغتهم لقوله تعالى:
بلسان عربي مبين
[الشعراء:95]، فلا يحمل على ما ليس في لغتهم.
فثبت الأول، وهو كونها أعلاما للسور التي هي مستهلتها، سميت بها إشعارا بأنها كلمات معروفة التركيب، فلو لم يكن وحيا من الله، لم تتساقط معذرتهم دون معارضتها.
والاعتراض عليه من وجوه:
أحدها: لم لا يجوز أن تكون مزيدة للتنبيه والدلالة على انقطاع كلام واستيناف آخر كما قاله قطرب؟ أو يكون اختصار الكلام كما في القول الرابع والخامس؟ أو يكون إشارة الى عدد آجال كما قاله ابو العالية؟ وهذه الدلالة وإن لم تكن عربية، لكن لاشتهارها فيما بين الناس حتى العرب، كانت كالمعربات كالمشكوة والسجيل والقسطاس والإستبرق. أو تكون قسما كما قاله الأخفش. أو تكون غير ذلك من الأقوال المذكورة؟
وثانيها: إن القول بأنها أسماء السور يخرجها الى ما ليس في لغة العرب. لأن التسمية بثلاثة أسماء فصاعدا مستنكرة عندهم.
وثالثها: إنها داخلة في السور وجزء منها، وجزء الشيء مقدم على الشيء بالرتبة، واسم الشيء متأخر عنه كذلك، فيلزم من تسمية الشيء بجزئه تقدم الشيء على نفسه، والمعارضة بتسمية الحروف بأساميها - كتسمية الجزء الأول من الجيم بالجيم - ساقطة، لأن المركب متأخر عن جزئه، والاسم متأخر أيضا عن مسماه، فلا يلزم إلا تأخر المركب عن جزئه بوجهين، ولا فساد فيه.
अज्ञात पृष्ठ