255

तफसीर

تفسير الأعقم

शैलियों

{ فإذا مس الانسان ضر دعانا ثم إذا خولناه } أعطيناه { نعمة منا قال إنما أوتيته على علم } برضاه عني فلذلك أعطاني ما أولاني من النعم، وقيل: على علم من الله بأني له أهل { بل هي فتنة } أي امتحان من حيث يوجب الشكر، وقيل: هذه الكلمة التي قالها، وقيل: للنعم فتنة أي عذاب لهم إذا أضافوها إلى أنفسهم { ولكن أكثرهم لا يعلمون } مواضع النعمة وما يجب فيه من الشكر، وقيل: لا يعقلون عواقب أمرهم { قد قالها الذين من قبلهم } يعني هذه الكلمة، الذين من قبلهم يعني الكفار، وقيل: أراد قارون { فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون } يعني لم يغني عنهم اكتسابهم شيئا من العذاب { فأصابهم سيئات ما كسبوا } يعني جزاء ذلك { والذين ظلموا من هؤلاء } الذين كانوا في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) { وما هم بمعجزين } الله، يعني لا يعجزون الله بالخروج عن قدرته، وقيل: لا يفوتون الله { أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء } أي يوسع على من يشاء من عباده { ويقدر } أي يضيق بحسب المصلحة { إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون } { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا } الآية نزلت في أهل مكة لما قالوا: يزعم محمد أن من عبد الأوثان وقتل النفس التي حرم الله لم يغفر الله له فكيف ولم يهاجروا وقد عبدنا الأوثان وقتلنا النفس التي حرم الله فنزلت، وقيل: نزلت في وحشي قاتل حمزة (رضي الله عنه)،

" وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " ما أحب أن لي في الدنيا وما فيها بهذه الآية " ، فقال رجل: يا رسول الله ومن أشرك؟ فسكت ساعة ثم قال: " ألا ومن أشرك ثلاث مرات "

، وقيل: في قراءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفاطمة (رضي الله عنها) اغفر الذنوب جميعا ولا أبالي { انه هو الغفور الرحيم } ، وفي قراءة ابن عباس وابن مسعود: يغفر الذنوب جميعا، لمن يشاء من تاب لأن مشيئة الله تابعة لحكمته وعدله، ومعنى اسرفوا جاوزوا الحد في العصيان { لا تقنطوا من رحمة الله } أي لا تيأسوا من رحمته { إن الله يغفر الذنوب جميعا } بشرط التوبة { إنه هو الغفور الرحيم } { وأنيبوا إلى ربكم } أي ارجعوا إليه بالطاعة { وأسلموا له } وأخلصوا له العمل وانقادوا في جميع ما آتاكم { من قبل أن يأتيكم العذاب } ، قيل: عذاب الاستئصال، وقيل: في وقت النزع { ثم لا تنصرون } أي لا ينصركم { واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } مثل قوله: { الذين يتبعون القول فيتبعون أحسنه } ، وقيل: اتبعوا القرآن فإنه أحسن شيء أنزل، وقيل: الأحسن الناسخ دون المنسوخ، وقيل: الأحسن أن يفعل ما أمر الله به وينهى عما نهى الله عنه { من قبل أن يأتيكم العذاب } ، قيل: وقت النزع { بغتة وأنتم لا تشعرون } أي يفاجئكم وأنتم غافلون.

[39.56-66]

{ أن تقول نفس } كراهة أن تقول نفس { يا حسرتا على ما فرطت } قصرت في طاعة الله { وإن كنت لمن الساخرين } لمن المستهزئين بالنبي وبالكتاب، وقيل: لمن الساخرين لمن يدعوني إلى الايمان، وروي في الحاكم: عن الحسن: أن هذه الآية نزلت في المجبرة، وروي أن الشيطان يقال له: لم لم تسجد لآدم وعصيت الله؟ فقال كان ذلك بقضاء الله وقدره، فيقال له: كذبت، فيقول: لي على ذلك شهود، فينادي أين شهود الشيطان وخصماء الرحمان؟ فتقوم طائفة من هذه الأمة يشهدون بذلك، فيخرج من أفواههم دخان أسود وتسود وجوههم، ويدل عليه أنه ورد عقيب قوله: { لو أن الله هداني لكنت من المتقين } وهذا مذهب المجبرة، وقيل: الآية عامة في المجبرة والمشبهة وكل من يكذب على الله، وروي أنه كان في بني اسرائيل عالم ترك علمه وفسق، أتاه ابليس فقال: تمتع من الدنيا ثم تب فأطاعه، وكان له مال فأنفقه في الفجور فأتاه ملك الموت في الذ ما كان فقال: { يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله } ذهب عمري في طاعة الشيطان وسخط الله فندم حين لم ينفعه الندم فأنزل الله خبره في القرآن { أو تقول لو أن الله هداني } لا يخلو إما أن يريد به الهداية بالالجاء أو بالإلطاف أو بالوحي، فالإلجاء خارج من الحكمة ولم يكن من أهل اللطف، وأما الوحي فقد كان ولكنه أعرض عنه ولم يتبعه، وإنما يقول هذا محيرا في أمره { أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة } أي رجعة في الدنيا { فأكون من المحسنين } ، وقوله: { بلى قد جاءتك آياتي } رد من الله عليه، معناه بلى قد هديت بالوحي فكذبت به { واستكبرت } في قولك وآثرت الكفر على الإيمان والضلالة على الهدى { وكنت من الكافرين } { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله } بإضافة الولد اليه والتشبيه بخلقه { وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى } مقام { للمتكبرين } { وينجي الله الذين اتقوا } أي خلص من يتقي معاصيه { بمفازتهم } من العذاب، قيل: بأعمالهم الحسنة { لا يمسهم السوء } أي لا يصيبهم مكروه { ولا هم يحزنون } { الله خالق كل شيء } يعني محدثه ومبتدعه على حسب إرادتي، { وهو على كل شيء وكيل } أي حافظ { له مقاليد السماوات والأرض } أي هو مالك أمرهما وحافظهما وهو باب من الكناية لأن حافظ الخزائن ومدبر أمرهما هو الذي يملك مقاليدها، ومنه قوله في فلان: ألقيت اليه مقاليد الملك وهي المفتاح، وقيل: الخزائن، وقيل: مفاتيح وهي عبارة عن النعم لأنها تكون مخزونة ولها مفاتيح { والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون } خسروا أنفسهم بأن فوتوها الجنة { قل } لهؤلاء الكفار { أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون } نزلت الآية في المشركين دعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى دين الآباء، يعني تدعونني إلى من لا يستحق العبادة وهي الأصنام { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك } من الأنبياء، وقيل: من الأمم على لسان الأنبياء { لئن أشركت ليحبطن عملك } ، قيل: ذكر النبي والمراد غيره، وقيل: أراد المبالغة والزجر عن الشرك { ولتكونن من الخاسرين } من جملة الخاسرين الذين خسروا أنفسهم { بل الله فاعبد } لأنه يستحق العبادة { وكن من الشاكرين } النعمة دنيا ودينا.

[39.67-72]

{ وما قدروا الله حق قدره } أي ما عظموه حق تعظيمه ولا عرفوه حق معرفته إذ وصفوه بما لا يجوز عليه وعبدوا معه غيره { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة } يعني الأرض مقدورة فيتصرف كيف يشاء كالذي يقبض عليه القابض، وقيل: خص يوم القيامة لأنه المالك خاصة وقد يملك في الدنيا غيره { والسماوات مطويات بيمينه } مجموعات مطويات مع كبرها يعني بيمينه قيل: بقدرته { ونفخ في الصور } ، قيل: هو بأن ينفخ فيه اسرافيل نفختان نفخة يغشى عليهم ثم يموتون ويفني الله الأجسام ثم يحييهم { فصعق من في السماوات ومن في الأرض } ، قيل: مات، وقيل: غشي عليه، ثم يموتون بعد ذلك { إلا من شاء الله } فإنه لا يموت حتى يميته، واختلفوا في الاستثناء قيل: صاحب الصور وجبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، وقيل: هم الشهداء، وقيل: حملة العرش { ثم نفخ فيه أخرى } يعني نفخ في الصور نفخة أخرى { فإذا هم قيام } الخلق { ينظرون } من قبورهم إلى ما يروا أما المؤمن إلى النعم والمسار والعاصي إلى أنواع المضار { وأشرقت الأرض بنور ربها } قال جار الله: قد استعار الله النور للخلق والقرآن والبرهان في مواضع من التنزيل، وهذا من ذلك، والمعنى { وأشرقت الأرض } بما يقيمه فيها من الحق والعدل فلا يبقى هناك ظلم، وقيل: أضاءت بنور يخلقه الله لا يكون بنور شمس ولا قمر، وأضاف النور إليه لأنه خلقه، وقيل: المراد كثرة رحمته كما يقال: فلان نور هذه البلدة إذا كان منافع أهلها ومحاسنهم { ووضع الكتاب } يعني صحائف الأعمال كتبها الحفظة، وقيل: اللوح المحفوظ { وجيء بالنبيين والشهداء } الذين يشهدون للأمم وعليهم من الحفظة والأخيار، وقيل: المستشهدون في سبيل الله { وقضي بينهم بالحق } بالثواب للمؤمنين والعقاب للكافرين والانتصار للمظلوم من الظالم { وهم لا يظلمون } { ووفيت كل نفس } تمام حقها { وهو أعلم بما يفعلون } الحفظة والشهود وإنما أحضر الشهود ليظهر لأهل الجمع أحوالهم ويزداد سرور المؤمنين وحسرة الكافرين والأخبار عنه لطف للمكلفين، ثم بين تعالى جزاء الفريقين فقد فصل القضاء فقال سبحانه: { وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا } يساقون سوقا عنيفا ويسحبون على وجوههم في النار زمرا قيل: جماعات { حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها } ليدخلوها { وقال لهم خزنتها } على سبيل التوبيخ { ألم يأتكم رسل منكم } هو استفهام، والمراد التقرير، أي قد أتاكم رسل منكم { يتلون عليكم آيات ربكم } حججه ودليله على توحيده وعدله وسائر أحكامه وشرائعه { وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى } قد جاءنا الرسل { ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين } أي آيات الوعيد على من كفر بالله ونحن كفرنا فحق وعده علينا، فيقول لهم الخزنة: { ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها } متفرقين على قدر الاستحقاق، قال الحسن: سبعة أبواب لسبعة أصناف، وقد قدمنا ما قالوا فيه { فبئس مثوى المتكبرين } يعني الذين تكبروا عن قبول الحق.

[39.73-75]

{ وسيق الذين اتقوا ربهم } يعني يساقون مكرمين كقوله:

ونحشر المتقين إلى الرحمان وفدا

अज्ञात पृष्ठ