بهاء الدين زهير الكاتب المصري، شاعر، قال فأجاد واستنّ في حلبة الأدب استنان الجواد، له شعر كالروضة مورقة الزهر فهو شراك النفوس ونزهة القلوب ومنزّل في تكرار إنشاده منزلة النظر إلى المحبوب، وتصرف في الألفاظ فاختار منها ما يريد وركب اللفظ الغريب فأدرك به المرام البعيد، وله في الإنشاء أوضح نهج وأقوم طريقة وكلامه هو السحر الحلال على الحقيقة، له في الكتابة مذهب وسبيل ليس للصواب عنه مذهب وله خط كلآلئ الأفراد وكتابة تكاد تبيضّ من حسنها المداد، من شعراء العصر مات بعد الخمسين والستمائة فيما يتغلب عندي، له ديوان شعر قد أولع الناس به لقرب متناول ألفاظه وسهولة مآخذه وبعده عن التكلف وخفته على الألسن، وها أنا أذكر ما يخطر منه على سبيل الاختصار تبعًا لمقصدي في جمع هذا المجموع، لأن هذا باب لو أردت الإتيان فيه لوجدت مذهبًا فسيحًا وسلكت منه مهامه فيحًا، فمن ذلك قوله وقد أحسن في امرأة كان يهواها اسمها روضة:
يا روضةَ الحسنِ صِلي ... فما عليكِ ضيرُ
فهل رأيتَ روضةً ... ليسَ لها زهيرُ
وهذا اتفاق حسن. وأنشدني المولى المخدوم الصاحب علاء الدين بيتًا في غاية الحسن في امرأة اسمها شجر، وكان يهواها وقال فيها وأحسن:
يا حبذا شجر وطيب نسيمها ... لو أنّها تسقى بماء واحدِ
وقال زهير، وهي مليحة في معناها:
وهيفاء تحكي الرمحَ لونًا وقامةً ... لها مهجتي مبذولةٌ وقيادِي
لقد عابها الواشي فقالَ طويلةٌ ... مقالَ حسودٍ مظهرٍ لعنادِي
فقلت له بشّرتَ بالخير إنّها ... حياتي فإنْ طالتْ فذاك مرادِي
وما عابها القدُّ الطويلُ وإنه ... لأولُ حسنٍ للمليحةِ بادِي
رأيت الحصونَ الشمّ تحفظ أهلها ... فأعددتُها حصنًا لحفظِ ودادِي
وقال:
يا مَنْ لعينٍ أرقتْ ... أوحشَها منْ عشقتْ
مذْ فارقتْ أحبابها ... لها جفونٌ ما التقتْ
وغادةٍ كأنّها ... شمسُ الضحى تألقتْ
كم شرقتْ بدمعِها ... عينيَ لمّا أشرقتْ
قد جمعتْ حسنًا به ... ألبابُنا تفرّقتْ
فمهجتي وعبرتي ... قد قُيّدتْ وأطلقتْ
في فمها مدامةٌ ... صافيةٌ تروّقتْ
واعجبًا من فعلها ... قد أسكرتْ وما سقتْ
مثله لابن الساعاتي:
ما شربنا بها ونحن سكارى
وقال زهير أيضًا:
لكم الروحُ والبدنْ ... لكم السرّ والعلنْ
أنا عبدٌ شريتموه ... ولكن بلا ثمنْ
منها:
وجهه يجمع المسرَّ ... ةَ للقلبِ والحزنْ
هو للحسنِ مشرقٌ ... فبه تظهرُ الفتنْ
وقال أيضًا:
بالله قل لي خبرك ... فلي ثلاث لم أركْ
يا أسبق الناس إلى ... مودّتي ما أخّركْ
يا أيها المعرضُ عن ... أحبابه ما أصبركْ
بين جفوني والكرى ... مذْ غبتَ عنّي معتركْ
كيف تغيرتَ ومن ... هذا الذي قد غيّركْ
وكيف يا معذّبي ... قطعتَ عنّي خبركْ
قد كان لي صبرٌ ... يطيلُ اللهُ فيه عمركْ
كيف خلاصي من هوًى ... مازجَ روحي فاختلطْ
وتائهٍ أُقبضُ في ... حبي له وما انبسطْ
يا قمرَ السعدِ الذي ... لديه نجمي قد هبطْ
حاشاكَ أنْ ترضى بأنْ ... أموتَ في الحبِّ غلط
يمرُّ بي ملتفتًا ... فهلْ رأيتَ الظبي قطْ
يا بدرُ إنْ رمتَ بهِ ... تشبهًا رمتَ الشططْ
ودعْهُ يا غصنَ النقا ... ما أنتَ منْ ذاكَ النمطْ
ويعجبني في ذكر الالتفات رباعي أنشدنيه بعض الأصحاب:
يا من جفواته لقلبي عنت ... هل ترجع بالعتاب تلك النكتُ
قد قيل محاسب الظبى لفتتها ... يا ظبيُ مضى العمر متى تلتفتُ
ولمحيي الدين وقد سبق:
هو الظبي إلاّ أنّ للظبي لفتةً ... وغصن النقا لولا التعطف في الغصن
وقال وقد سبق:
وجلا لنا وجه الغزالةِ وانثنى ... غضبانَ ملتفتًا بجيدِ غزالِ
وقال:
كالبدرِ في حاليْ سناهُ وسنهِ ... والظبي في لفتاتهِ ونفورهِ
وللرشيد النابلسي:
نافرٌ والنفورُ من شيمِ الغز ... لانِ لولا التفاتةٌ في الغزالِ
وقال زهير وهو من حر الكلام ورقيقه:
1 / 40