يسودّ مبيضّ أيامي لغيبتكم ... وتنجلي بكم عن ليليَ الظلمُ
وأستلذُّ بذلي في محبتكم ... يا من بهم يعذبُ التعذيبُ والألمُ
سُقمي شفاءٌ إذا عدتم فديتكم ... وصحتي في بعادي عنكم سقمُ
إن صوح النبت من صدري وزفرته ... فمن دماء جفوني أورقَ السلمُ
صلى إلى حبكم قلبي وطاف به ... فأنتم كعبة المشتاق والحرمُ
البيت الأول من قول أبي الشيص:
أجدُ الملامةَ في هواكِ لذيذةَ
وقد تقدم. ومثله:
أحبّ العذول لتكراره ... حديثَ الحبيبِ على مسمعي
ومثله:
ويلذُّ لي عذلُ العذولِ لأنهُ ... أبدًا يكرر ذكركم في مسمعي
وهذا كثير جدًا. والبيت الثاني مأخوذ من ابن زيدون المغربي في قوله:
حالت لبعدكم أيامنا فغدتْ ... سودًا وكانت بكم بيضًا ليالينا
وقال ابن الساعاتي:
كانت لياليهم شهبَ الحلي فغدت ... أيامهم وهي دهم عندما دهموا
وأبيات ابن زيدون حسنة، ومنها:
بنتم وبنا فما ابتلتْ جوانحُنا ... شوقًا إليكم ولا جفتْ مآقينا
تكادُ حينَ تناجيكم ضمائرُنا ... يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
إنَّ الزمانَ الذي ما زالَ يُضحكنا ... أُنسًا بقربكم قد عادَ يبكينا
لا تحسبوا نأيكم عنَّا يُغيرنا ... إذْ طالما غيَّر النأيُ المحبِّينا
واللهِ ما طلبتْ أرواحنا بدلًا ... منكم ولا انصرفتْ عنكم أمانينا
وهي طويلة.
وقال مجد الدين بن الظهير المذكور، وكان يهوى صبيًا ذميًا فحُبس، فكتب إلى نواب إربل، وأنشد منها مسعود المذكور وكتبتها ها هنا لأنها بالغزل أشبه:
يا أمناء الملك قلبي إلى ... لقياكم مأسورُ أشواقهْ
ما فيكم إلاّ امرؤ فاضلٌ ... يزهو على الروضِ بأخلاقهْ
مسعودنا الذميّ في حبسكم ... وصبره واهٌ كميثاقهْ
أطلقتم الأدمعَ في حبسهِ ... فقيدوا الشكرَ بإطلاقهْ
ومن شعره:
إذا حانَ من شمسِ النهارِ غروبُ ... تذكرَ مشتاقٌ وحنَّ غريبُ
يحنُّ إليكم والخطوبُ تنوشهُ ... ويشتاقكم والنائباتُ تنوبُ
له أنةٌ لا يملك الحلم ردَّها ... متى هبَّ من ذاكَ الجناب جنوبُ
وقال أيضًا:
لو وجدنا إلى اللقاء سبيلا ... لشفينا بالقرب منكم غليلا
وسعينا على الجفون سراعًا ... ورأيناه في هواكم قليلا
قد سألنا القبول حمل التحيا ... ت فيا ليتها أصابت قبولا
وقال أيضًا:
إنْ عدتني عنكم عوادي الزمان ... فالهوى جاذب إليكم عناني
أو تناءت دياركم بعد قرب ... فالغرام الذي عهدتم مداني
لم يحل فيكم عن الفكر والذكر ... ر على النأي خاطري ولساني
أنا مستعذب عذابي ومختا ... ر على العزّ في هواكم هواني
وقال أيضًا:
إنْ لم أفز بلقائك المأمول ... فإليك معتلُّ النسيم رسولي
طارحتهُ وجدي عليكَ فرقَّ لي ... من حرِّ نارِ تلهفي وغليلي
وسألتهُ إبلاغَ ما في النفسِ من ... حملٍ لأخبارِ الهوى وفصولِ
وطمعتُ في رجعِ السلامِ فهل ترى ... يحظى لديه قبولهُ بقبولِ
وعقود دمعٍ كالعقيقِ حللتها ... لفراقِ حيٍّ بالعقيقِ حلولِ
أُفدي العقيقَ وساكنيه وإنْ همُ ... غدروا ولم يوفوا بعهدِ نزيلِ
وبأيمن العلمين ربُّ ملاحةٍ ... سدتْ على السلوانٌ كلَّ سبيلِ
فتانُ طرفٍ لم يدع قلبًا بلا ... وجدٍ ولا جسمًا بغير نحولِ
نشوان لي منه إذا نادمته ... سكران سكر شمائلٍ وشمولِ
وقال أيضًا:
غشُّ المفندِ كامنٌ في نصحه ... فأطلْ وقوفك بالغويرِ وسفحهِ
واخلع عذارك في محلٍّ ريهُ ... برذاذِ دمعِ العاشقين وسحهِ
يقول فيها:
وبيَ الذي يغنيه فاتنُ لحظهِ ... عن سيفهِ وقوامهُ عن رمحهِ
ظبيٌ يؤنس بالغرام نفاره ... ويجدّ في نهبِ القلوبِ بمزحهِ
أستعذبُ التعذيبَ في كلفي به ... والحبُّ لذةُ طعمهِ في برحهِ
البرح الشدة، وتباريح الشوق: توهجه.
يا شاهرًا من جفنه عضبًا غدا ... ماءُ المنيةِ باديًا في صفحهِ
ومعربدًا في صحوه ومباعدًا ... في قربه ومحاربًا في صلحهِ
ومنها:
1 / 16