لقد كان من أكبر أسباب الأزمات التي تعرضت لها شبه القارة الهندية في نضالها ضد الاستعمار الأجنبي ذلك الخلاف الكبير بين أكبر شعبين من شعوبها وهما الهندوس والمسلمون، وذلك الاختلاف الكبير في وجهات النظر بين زعماء المسلمين الذين نادوا بإنشاء «باكستان» لتكون وطنا لمسلمي الهند، وبين زعماء الهندوس الذين عارضوا هذه الفكرة وقاوموها.
فقد كانت الهند وزعيمها يؤمنان بأن شبه القارة كله يتكون من أمة واحدة، أما المسلمون وزعيمهم فقد كانوا يؤمنون بأنه لا مفر من الاعتراف بوجود أمتين في شبه القارة. وقد سبق أن أشرنا إلى حقيقة الأسباب والبواعث التي جعلت محمد علي جناح يؤمن بذلك.
1
كان جواهر لال نهرو يؤمن بالوحدة القومية للهند كلها، وكان يؤمن بأن هذه الوحدة ليست إلا نتيجة طبيعية للتاريخ المشترك والنضال المشترك والتأثير المشترك للثقافات المختلفة وعادات الشعوب المختلفة.
وكان نهرو يفسر الخلافات بين الهندوس والمسلمين بأنها خلاف «بين الطبقات العليا حول توزيع مغانم السلطة أو التمثيل في المجالس النيابية»، وكان نهرو مقتنعا بأن تلك الخلافات يسببها «طرف ثالث» هو بريطانيا التي حكمت الهند على مبدأ «فرق تسد»
divide et impera ، وكان غاندي يشاركه هذا الرأي.
ولكن محمد علي جناح كان لا يؤمن بفلسفة نهرو الخاصة بوحدة الهند، وكان كثيرا ما يتساءل: لماذا لا يحاول أصدقاؤه الهنود أن يتفهموا طبيعة الإسلام وحقيقته وما يفرق بينه وبين الهندوسية؟! «إنهما ليسا دينين بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة، بل هما في الحقيقة نظامان اجتماعيان يتميز كل منهما عن الآخر كلية. وإنه لحلم أن يندمج الهندوس والمسلمون في أمة واحدة. إن الهندوس والمسلمين يتبعان فلسفتين دينيتين تختلف كل منهما عن الأخرى، وعادات اجتماعية مختلفة وآدابا مختلفة. إنهم لا يتزاوجون فيما بينهم ولا يشتركون في طعام، وكل منهم إنما يتبع في الحقيقة حضارة مختلفة عن حضارة الآخر تقوم على آراء ونظريات تتعارض مع الآراء والنظريات التي تقوم عليها الحضارة الأخرى».
وقد بذلت المحاولة الأخيرة لمنح شبه القارة حريته مع الاحتفاظ بوحدته في نفس الوقت في ربيع عام 1946، فقد زارت بعثة وزارية بريطانية مدينة دلهي في شهر مايو وتقدمت بمشروع لإقامة «هند» مستقلة مع ضمانات لحقوق الأقليات وضرورة تمثيلها في المجالس التشريعية.
وظن المراقبون في ذلك الوقت أن هذه هي الفرصة المواتية التي يمكن أن يتفق فيها حزب المؤتمر مع الرابطة الإسلامية، إلا أن المشروع لم يصادف نجاحا لسبب غير جدي وهو عدم اتفاق الفريقين على تكوين الحكومة، وهذا السبب يكشف في حد ذاته عن مدى التباعد الكبير الذي كان قائما بين الفريقين، وعمق الخلافات التي كان يحسها كل منهما تجاه الآخر.
ومنذ ذلك الوقت أسرعت الحوادث في عدوها لكي تصل في النهاية إلى مرحلة القسمة، القسمة التي لا مفر منها ... وكان غريبا أن تقسم هذه البلاد في نفس اليوم الذي كان يجب أن تحتفل به بالخلاص الأبدي من ربقة الاستعمار.
अज्ञात पृष्ठ