كيف سافرت ولماذا أكتب؟
من طرائف الرحلة
باكستان في الغرب ... والشرق
مولد دولة جديدة
القائد الأعظم!
إقبال ...
قسمة شبه القارة
مشاكل الدولة الجديدة
رحلة في كشمير
مشكلة كشمير
अज्ञात पृष्ठ
مشاكل السياسة
نهضة شاملة
الإصلاح الزراعي
النهضة الصناعية
المرأة الباكستانية
التعليم في باكستان
العربية في باكستان
العلاقات بين مصر وباكستان
إلى الأمام!
مراجع هامة
अज्ञात पृष्ठ
كيف سافرت ولماذا أكتب؟
من طرائف الرحلة
باكستان في الغرب ... والشرق
مولد دولة جديدة
القائد الأعظم!
إقبال ...
قسمة شبه القارة
مشاكل الدولة الجديدة
رحلة في كشمير
مشكلة كشمير
अज्ञात पृष्ठ
مشاكل السياسة
نهضة شاملة
الإصلاح الزراعي
النهضة الصناعية
المرأة الباكستانية
التعليم في باكستان
العربية في باكستان
العلاقات بين مصر وباكستان
إلى الأمام!
مراجع هامة
अज्ञात पृष्ठ
تعال معي إلى باكستان
تعال معي إلى باكستان
تأليف
فرج جبران
كيف سافرت ولماذا أكتب؟
رحبت بالسفر إلى باكستان عندما سنحت لي الفرصة؛ وذلك لأنني كنت قد سافرت إلى أوروبا وإلى أمريكا عدة مرات ولكنني لم أكن قد سافرت إلى الشرق، ولم أكن قد رأيت من آسيا إلا أجزاء قليلة قريبة.
ولم يكن هذا السبب وحده هو الذي حفزني إلى السفر، بل إن اسم «باكستان» نفسه كان من دوافع الإغراء على السفر، فباكستان جزء من شبه القارة الهندية ذات الحضارة العريقة ... وباكستان دولة ناشئة لم يمض على وجودها على خريطة العالم أكثر من ثمانية أعوام، ومع ذلك فقد نالت مكانة كبيرة في الميدان السياسي والاقتصادي.
ليس هذا وحسب بل إن باكستان هي أكبر دولة إسلامية في العالم، وهي تتطلع باستمرار إلى توطيد صلاتها بالدول الإسلامية الأخرى، وتمد يدها في كل مناسبة إلى هذه الدول لتخطب ودها ...
لا شك أن السياحة في بلاد عريقة المدنية كالباكستان، وزيارة قطر شرقي حبيب يضم أكبر الأمم الإسلامية في العالم، وتتبع نهضة دولة ناشئة لم تنقض سنوات قليلة على قيامها ...
كل ذلك كان من الأسباب التي جعلتني سعيدا عندما تمكنت من السفر إلى باكستان في رفقة وفد الصحافة المصري في شتاء عام 1953 ... •••
अज्ञात पृष्ठ
وعدت من باكستان بعد أن تجولت مع الزملاء في طول البلاد وعرضها وزرت ولاياتها وبدأت أستعد لكي أكتب عن باكستان كتابا أضمه إلى كتبي السابقة: «تعال معي إلى أوروبا» و«تعال معي إلى أمريكا» و«تعال معي إلى أمريكا اللاتينية» ...
ولكنني قلت لنفسي: لقد اعتاد القراء أن يقرءوا لي كتابا عن قارة كاملة لا عن دولة ... وإذا كان إخراج كتاب «تعال معي إلى آسيا» أمرا عسيرا في الوقت الحاضر لظروف غير خافية، فلا أقل من أن يكون عنوان الكتاب «تعال معي إلى شبه القارة الهندية» لكي يضم وصف الدولتين: الهند وباكستان. وأخذت أفكر في القيام بجولة في الهند تشبه الجولة التي قمت بها في باكستان ...
وأخذت الأيام تمر حتى انقضى أكثر من عام ولم أقم بعد بالزيارة المرتقبة للهند.
ولما كانت كتبى فى هذه السلسلة «تعال معي» لا تضم إلا ما يراه المؤلف بعينيه، وما يسمعه بأذنيه، وما يحسه بقلبه ... لذلك وجدت لزاما علي أن أبادر بإخراج هذا الكتاب للقراء حتى لا تتغير تلك الصورة الجميلة العزيزة التى رأيتها للدولة الناشئة الناهضة.
فرج جبران
من طرائف الرحلة
جمعت الرحلة التي قام بها الصحفيون المصريون إلى باكستان سبعة من الصحفيين وموظفا رسميا وصحفية واحدة هي السيدة أمينة السعيد.
ولم تكن هذه هي أول مرة تزور فيها السيدة أمينة السعيد تلك الجهات النائية، فقد سبق لها أن زارت شبه جزيرة الهند قبل تقسيمها إلى دولتين: الهند وباكستان.
وكانت قد زارت باكستان في عام سابق سيدة فاضلة أخرى هي السيدة راجية حرم الأستاذ محمد عبد القادر حمزة واشتركت في مؤتمر السيدات المسلمات الدولي، وقد عرفت كثيرات من السيدات في الحفلات التي كنا ندعى إليها أن الأستاذ محمد عبد القادر حمزة زوج السيدة راجية من بين أعضاء بعثة الصحفيين المصريين، ولذلك كن يسألن عنه ويقبلن عليه لسؤاله عن السيدة زوجته التي تعرفن إليها من قبل عند زيارتها للباكستان للاشتراك في المؤتمر، بل إن بعضهن كن قد احتفظن لها ببعض الصور الفوتوغرافية التي أخذت لها عند زيارتها فسلمن هذه الصور لزوجها لكي يحملها إليها ...
وقد أثبتت السيدة أمينة السعيد في مناسبتين أنها قوية الأعصاب شديدة الاحتمال للمتاعب ... أثبتت أنها قوية الأعصاب عندما زرنا كشمير الحرة أو «أزاد كشمير»، ووقف الأستاذ محمد عبد القادر يتحدث إلى موظفي الحكومة التي تدير هذا القسم من كشمير وإلى بعض الأهالي فكادت تخنقه العبرات وهو يخطب حتى اضطر أن يتوقف دقائق لكي يستجمع أفكاره من فرط تأثره، وقد انتقل هذا التأثر إلينا جميعا وإلى السامعين فساد صمت عميق وأخذ بعض الحاضرين في تجفيف دموعهم ... بل لقد ارتفعت أصوات بعض سكان أزاد كشمير بالنحيب الخافت ... إلا سيدة واحدة ظلت محتفظة برباطة جأشها وتمكنت من التحكم في أعصابها وهي السيدة أمينة السعيد ...
अज्ञात पृष्ठ
وكان الطريق إلى أزاد كشمير طريقا وعرا كله انحناءات وانثناءات والرحلة إليها تعتبر من أشق الرحلات. ولما وصلنا أخيرا إلى مقر الحكومة في «مظفر أباد» كان التعب قد أصابنا وشعرنا جميعا بدوار حتى اضطر الزميلان محمد عبد القادر حمزة وحسني سلمان إلى البحث عن مكان يستريحان فيه، وقد ناما بعض الوقت حتى أمكن لكل منهما أن يستعيد قوته. وكانت السيدة الوحيدة في الركب هي التي صمدت في هذه الرحلة الشاقة!
وقد تميز الطعام الذي كان يقدم للصحفيين في باكستان بوجود التوابل الكثيرة و«الشطة» فيه، وقد أحب بعض الصحفيين هذا الطعام وأقبلوا عليه، في حين أن البعض الآخر لم يحتمل هذا الطعام المصحوب بكميات الشطة الوفيرة، وكان أشد الثائرين ضدها هو الأستاذ عزيز ميرزا رئيس تحرير الأهرام، حتى لقد كان يفضل في أكثر الحفلات والمآدب ألا يتناول الطعام على الإطلاق هربا من الشطة.
وفي إحدى الحفلات وجدت الأستاذ عزيز ميرزا يعيد طبقه إلى المائدة بطريقة عصبية وقد ظهر الامتعاض الشديد على وجهه فقلت له: خير! ماذا حدث ...؟
فأجابني: حاجة تجنن صحيح! لقد تركت جميع ألوان الطعام لأني أعرف أنها مليئة بالشطة التي سببت لي التهابا في اللثة ... تركت جميع الأطباق وفضلت أن أقنع بطبق الحلو المصنوع من «الشيكولاته»، فلما بدأت أتناوله تبين لي أن «الحلو» نفسه مصنوع بالشطة!
وضحكت ... ثم تناولت طبقا من هذه الحلوى المصنوعة من الشيكولاته فوجدته فعلا ممزوجا ببعض الشطة.
الصحفيون المصريون ليلة وصولهم إلى كراتشي. من اليمين إلى اليسار: محمد عبد القادر حمزة - مصطفى بنشي (من وزارة الخارجية) - حسني سلمان - أحمد أبو الفتح - أمينة السعيد - عزيز ميرزا - حسين فهمي - فرج جبران.
وقد بدأت الرحلة - كما قلنا - بتسعة ... ولكنها ما لبثت أن انتهت بأربعة هم الذين عادوا بعد إتمام البرنامج الموضوع للزيارة ...
وكان أول المتخلفين الأستاذ سعيد رمضان الذي كان في إندونيسيا ثم لحق بالصحفيين في كراتشي، ولكنه اعتذر عن عدم مرافقتهم إلى شمال باكستان لكثرة شواغله بسبب اضطراره إلى العودة إلى مصر قبلهم، وكان قد سبق له فضلا عن ذلك أن زار كل تلك المناطق التي تقرر أن يزورها الصحفيون ...
وسافرت البعثة بعد ذلك إلى مدينة حيدر أباد، وهناك بدا التعب والإعياء الشديد على الزميل الأستاذ أحمد أبو الفتح رئيس تحرير المصري ... فقرر أن يعود إلى كراتشي على أن يلحق بالبعثة في لاهور، وذلك لكي يتسنى له السفر بالطائرة بدلا من السفر بالقطار في رحلة تستغرق نحو 12 ساعة.
إلا أن الأستاذ أحمد أبو الفتح بقي في كراتشي، ولما جاء موعد سفر الطائرة إلى لاهور تشاءم من السفر بمفرده في تلك الرحلة فقرر مد إقامته في كراتشي ... وما لبث بعد ذلك أن عاد إلى مصر.
अज्ञात पृष्ठ
وفي مدينة «لاهور» قرر الزميل الأستاذ حسين فهمي أن يعود إلى مصر، فركب الطائرة من لاهور وعاد بها إلى كراتشي، ومن كراتشي استقل طائرة أخرى إلى مصر ...
ولما عدنا من بشاور إلى كراتشي، وقبل موعد انتهاء الزيارة الرسمية بيومين، قرر الأستاذان محمد عبد القادر حمزة وحسني سلمان العودة إلى مصر بأول طائرة. ... وهكذا لم يبق إلى نهاية الرحلة إلا ثلاثة من الصحفيين كان يصحبهم الأستاذ مصطفى بنشي مندوب وزارة الخارجية ... وكانت السيدة أمينة السعيد ممن صمدوا حتى النهاية.
وكنا في كل يوم نتحدث في موضوع «البردة»، وهو الحجاب الباكستاني الذي ترتديه النساء هناك، فتبدو كل امرأة كأنها عبارة عن «ستار» متحركة وقد احتجب وجهها وكل شيء فيها.
حدث في إحدى الحفلات أن جاءت سيدة إلى الحفلة وهي ترتدي هذه البردة وطلبت أن تتحدث مع السيدة أمينة السعيد فأجيبت إلى طلبها وتحدثت إليها، وكانت هناك سيدة باكستانية أخرى تترجم الحديث بين السيدة التي ترتدي البردة والسيدة أمينة السعيد، لأن صاحبة البردة لم تكن تتحدث الإنجليزية.
وكانت السيدة أمينة ثائرة ضد البردة، فقالت للمترجمة: أرجو أن تسألي هذه السيدة لماذا ترتدي هذه الملابس.
وأجابت صاحبة البردة بوساطة المترجمة: لأنني مسلمة محافظة على التقاليد.
قالت السيدة أمينة للمترجمة: أرجو أن تقولي لها إنني مسلمة مثلها ومحافظة على التقاليد، ولكنني لا أوافقها على أن هذه الملابس من الإسلام في شيء!
وكان لهذه الإجابة وقع عميق في نفس صاحبة البردة!
وحدث بعد زيارة الوفد للبيجوم لياقت علي خان أن طلب المصورون أخذ صور للوفد مع البيجوم، فوقفت هي ووقف الجميع ينتظرون الصورة المطلوبة، وساد الصمت التام احتراما للسيدة الجليلة، وطال الوقت دون أن يتم التقاط الصور فقالت البيجوم: عندما يستعد الجميع للصورة بهذا الشكل ويسكتون ... في أغلب الحالات تتعطل آلة التصوير وتفشل الصورة!
وتعالى ضحك الجميع لما قالته البيجوم، وفي أثناء ضحكهم التقطت الصورة ... فظهروا وهم يضحكون إلا واحدة فقط احتفظت بوقارها وهدوئها ... وهي البيجوم لياقت ... صاحبة النكتة!
अज्ञात पृष्ठ
وكان أول شيء استرعى أنظارنا في باكستان هو البان ...
و«البان» عبارة عن ورقة خضراء من أوراق شجرة معينة، وتدهن الورقة بسائل لزج أحمر اللون ثم يوضع عليها بعض التوابل وكمية من الجير ... ومن أهم التوابل التي توضع في الورقة جوزة الطيب والحبهان والمستكة ... إلخ، وكلما تعددت الأصناف ارتفعت قيمة «البان». وإذا انتهى إعداد ورقة «البان» ووضعت عليها كل هذه الأشياء لفت بعناية وقدمت للمشتري الذي يتناولها في الحال ويضعها في جانب من فمه ويشرع في مضغها، وهي بمثابة اللبان الأمريكي (التشوينج جم) الذي لا يستغني عنه أمريكي.
والفقراء والأغنياء في باكستان يستعملون البان، على أن «بان» الأغنياء يتميز بكثرة ما يوضع فيه من توابل، بل لقد سمعت أن بعضهم - أي بعض الأغنياء - يضع في البان تراب الماس بعد صحنه جيدا، وكثيرا ما يقدم المضيف إلى ضيوفه البان الفاخر ملفوفا في الورق المفضض.
سألت فتاة باكستانية مثقفة: هل تمضغين البان؟
قالت: طبعا!
سألتها: ولماذا؟
قالت: لأنه مفيد للصحة بوجه عام ... وللأسنان بوجه خاص!
قلت: ولكنه يترك أثرا أحمر اللون في الفم والأسنان!
قالت: ولكن هذا لا يهم إذا قيس بالفائدة التي يجنيها ماضغ البان!
وهذا هو «البان» أو «اللبان» الباكستاني!
अज्ञात पृष्ठ
باكستان في الغرب ... والشرق
تأسست باكستان في يوم 14 أغسطس سنة 1947، وتألفت من قسمين تفصل بينهما مسافة تقدر بنحو 1200 ميل، ويقع أحدهما في الشمال الغربي من جمهورية الهند ويسمى باكستان الغربية، ويقع الثاني في الشمال الشرقي منها ويسمى باكستان الشرقية، وكان هذان القسمان يؤلفان من قبل جزءا من «إمبراطورية الهند البريطانية».
فأما باكستان الغربية فتتاخم كلا من أفغانستان وإيران من الناحيتين الغربية والشمالية الغربية، وتتاخم من ناحية الشرق إقليم شرقي البنجاب من الهند وصحراء الهند الكبرى، ومن الشمال إمارة كشمير وجمو، وهي الإمارة الإسلامية التي لا يزال النزاع مستمرا حولها، ويحف بأطرافها من الجنوب والجنوب الغربي البحر العربي، وعلى هذا البحر تشرف باكستان الغربية بثغرها وعاصمتها: كراتشي.
وتبلغ مساحة باكستان الغربية 310236 ميلا مربعا، ويقطنها نحو 33779000 نفس، وهي مقسمة إلى أربعة أقاليم هي: إقليم السند، وإقليم البنجاب، وإقليم الحدود الشمالية الغربية، وبلوجستان، هذا علاوة على منطقة العاصمة الاتحادية المحيطة بمدينة كراتشي، ولها كيان إداري خاص وعدد من الإمارات أكبرها إمارة بهاولبور.
وتنساب في باكستان الغربية خمسة أنهار كبرى، هي نهر السند وفروعه: جيلوم وجيناب وراوي وستلج، وكلها تنبع من جبال همالايا الشامخة في الشمال وتنحدر بين وديان كشمير ثم في السهول الجنوبية والغربية.
وأما باكستان الشرقية فتتألف من إقليم شرقي البنغال، وتبلغ مساحة رقعتها 54501 ميلا مربعا وعدد سكانها 42063000 نفس، وتقدر نسبة كثافة السكان فيها ب 777 نفسا في الميل المربع.
وتتكون باكستان الشرقية من سهل فسيح مستو لا تكاد تعترض أرجاءه الواسعة هضبة أو جبل، اللهم إلا في النواحي الجنوبية الشرقية حيث تبرز سلاسل من الجبال الواطئة. وأبرز مظهر في طبيعة هذا القسم من باكستان هو تلك الأنهار العظيمة الكثيرة التي تتلاقى وتتعارض في مجاريها حتى لتبدو للرائي وكأنها شبكة، ومن هذه الأنهار نهرا الكنج وبراهما بوترا وفروعهما العديدة، ويبلغ عرض الكنج في موضع من المواضع نحو عشرة أميال ... وعلاوة على المياه الغزيرة التي تتدفق من مجاري هذه الأنهار فإنها تحمل بين ثنايا تيارها كميات كبيرة من الغرين الذي يسمد التربة ويزيد من خصوبتها، كما يغزر في مياهها أنواع السمك، ثم هي إلى هذا كله تهيئ أرخص الوسائل للانتقال والنقل. وتقع في الناحية الجنوبية من البنغال الغابة الاستوائية المشهورة «سندربان»، وهي غابة كثيفة تكثر فيها الحيوانات الضارية ومن أهمها النمر البنغالي.
باكستان الغربية
تتكون أرض باكستان الغربية من سهول وبطاح وهضاب وجبال، تبدأ من صحراء السند المنبسطة، ثم يتموج سطحها ارتفاعا وانخفاضا حتى يبلغ سفوح جبال همالايا في الناحية الشمالية الشرقية وسفوح جبال هندوكوش في الناحية الشمالية.
أما المواصلات بين باكستان الشرقية وباكستان الغربية فتكون في الغالب بواسطة البحر والجو.
अज्ञात पृष्ठ
وتقع مدينة كراتشي - عاصمة باكستان - على ساحل البحر العربي الذي يحف بباكستان الغربية من الجنوب، ولقد اتسعت اتساعا ظاهرا خلال السنوات السبع الماضية، ففيها الآن ميناء كبير عامر ومطار جوي يعد من أكبر المطارات وأكثرها نشاطا.
وعندما تأسست باكستان منذ ثماني سنوات لم يكن عدد سكان كراتشي يزيد عن 359000 نسمة، أما الآن فيربو عدد سكانها عن المليون والربع. وقد سبب تدفق اللاجئين إليها من الهند وجود أزمة شديدة في المساكن غير أن أهل كراتشي انصرفوا إلى البناء والتعمير، فشيدوا خلال الأعوام القليلة الماضية عددا لا يحصى من البيوت والمساكن والمكاتب والمدارس والمعامل والمخازن، وما إلى ذلك مما تقتضيه الحياة المدنية.
ويبلغ عدد سكان السند نحو 4608000 نسمة، وتقع خارج حدود المنطقة التي تحتلها العاصمة الاتحادية - كراتشي - الآن، وقد دلت الحفريات التي أجريت في نواحي هذا الإقليم مؤخرا على أنه كان مركزا لمدنية زاهرة قامت منذ أكثر من خمسة آلاف سنة وعاصرت مدنيات الفراعنة في مصر، وإنك لتجد مصداق هذا القول في آثار موهن جودارو المشهورة. ثم إنك لتجد في السند وعلى الأخص في مدن تتا وبامبور وحيدر أباد (وهذه الأخيرة هي عاصمة السند، ويبلغ عدد سكانها نحو 242000 نسمة)، آثارا قيمة تدل على مبلغ تقدم الفنون الإسلامية في هذا القسم من باكستان خلال العصور الوسطى.
والسند بلاد زراعية من حيث الأساس وتسقى أراضيها من نهر السند الذي تتفرع منه قنوات وترع تؤلف شبكة كبرى للري ... ويجري الآن بناء خزان ضخم في أسفل نهر السند بالقرب من كوترى ويعرف باسمها وهو على وشك التمام.
وأكثر سكان السند فلاحون أقوياء الأجساد أشداء، وقوتهم الرئيسي لحوم الضأن والخضر واللبن والقمح، ومن هوايتهم الرياضية المصارعة وركوب الخيل.
أما إقليم البنجاب فيبلغ عدد سكانه نحو 18828000 نسمة، ويتاخم إقليم السند من ناحية الشمال. وكلمة «بنجاب» تعني المياه الخمسة، إشارة إلى الأنهار الخمسة التي تمر في أراضيه (هي السند وجيلم وجيناب وراوي وستلج)، وهو من أغنى المناطق الزراعية في باكستان ومن أكثرها خصوبة وأغزرها خيرات، فهو في الواقع «صومعة القمح» في باكستان.
وعاصمة البنجاب هي مدينة لاهور، وتعد من أكبر المراكز الثقافية في باكستان، وتتجلى في آثارها وعادياتها مظاهر أمجاد المغول وتراثهم، فمسجد بادشاهي يعد أكبر مسجد من نوعه في العالم، ومسجد وزير خان يعد تحفة فنية نادرة المثال، وحدائق شاليمار تبدو كالدرة الفريدة لما تمتاز به من دقة في التخطيط ومهارة في الهندسة وعلو في الذوق الفني.
ولمدينة لاهور جامعتها التي تعتبر من أقدم الجامعات في شبه جزيرة الهند، ويحيط بمدينة لاهور أرياف سندسية وبلدان وقرى جميلة، منها بلدة مونتجمرى (ويبلغ عدد سكانها 50000) وبلدة ليالبور (سكانها نحو 179000) وسيالكوت (سكانها 168000)، وهذه كلها من المراكز الكبرى للزراعة وللصناعة اليدوية.
وأهل البنجاب أقوياء أشداء أيضا، ويتكون طعامهم من خبز القمح والذرة ومن لحم الضأن والخضر واللبن والسمن، وهم يكلفون بالرياضة والفروسية، ومن ضروب الرياضة عندهم المصارعة والسباحة.
وعندما يحين فصل الصيف في إبان شهر مايو ويشتد القيظ وتهب الرياح الحارة على سهول البنجاب يهرع الأغنياء من أهله إلى مصيف جميل يقع على جبال مري (ويعرف باسمه)، على ارتفاع 7527 قدما من سطح البحر، فيقضون فيه أشهر الصيف متنقلين بين وديانه وحقوله الغناء ... فإذا ما مضى الصيف وولى القيظ هبطوا عائدين إلى مدنهم في السهول تاركين وراءهم المصيف وقد أخذت الثلوج تتساقط عليه وتكسو أشجاره وبيوته بحلة سميكة بيضاء ناصعة ...
अज्ञात पृष्ठ
أما إقليم الحدود الشمالية الغربية فيقع - كما يدل اسمه - في الناحية الشمالية الغربية من باكستان الغربية، ويبلغ تعداد سكانه 3253000 نسمة جلهم من البتان الذين اشتهروا بالشجاعة والشهامة وشدة البأس وإكرام الضيف وحماية الضعيف. والإقليم جبلي صخري مجدب وهواؤه جاف وسماؤه صافية وفي آفاقه سلاسل جبلية جرداء غبراء، منها سلسلة جبال سليمان ومن ورائها سلسلة جبال هندوكوش التي تطل من بعيد بقممها العالية المكللة بالثلوج ...
وعاصمة إقليم الحدود هي مدينة بشاور ذات الأسوار، ويبلغ عدد سكانها 152000 نسمة، وتزخر أسواقها بضروب السلع والبضائع مما يستجلبه إليها التجار والعملاء من جميع أرجاء الإقليم.
وتقع في الناحيتين الشمالية والشمالية الغربية من الإقليم المناطق القبلية وعدد سكانها 2647000 نسمة، وهي مناطق جرداء صيفها معتدل وشتاؤها شديد البرودة، ولا ينبت فيها من الزرع إلا الأشواك وضروب من العشب مما تقتات عليه الأغنام والماشية، ويعيش أفراد القبائل في مضارب وقرى صغيرة متناثرة هنا وهناك على سفوح الجبال.
وتتصل بإقليم الحدود من ناحية الجنوب منطقة بلوجستان (ويبلغ تعداد سكانها 622000 نفس)، وهذه منطقة واسعة تتألف من بطاح شاسعة ومن هضاب وجبال ووديان، وتنتشر فيها القرى الكثيرة على سفوح الجبال والهضاب حيث ينبت خلال الصيف بعض العشب والكلأ مما ترعاه الأغنام والماشية طوال الفصل، فإذا ما حل الشتاء واشتد البرد هبط السكان إلى السهول حول مدينتي سيبى ووهادار.
ويقع بين مدينتي كويتا وبشين واد خصب يجري فيه نهر صغير وقناة جوفية تسمى «كاريز»، وتزرع فيه الحبوب بأنواعها بكميات كبيرة، ومدينة كويتا عاصمة الإقليم وتقع في وسط هذا الوادي الغني، ويبلغ عدد سكانها نحو 84000. أما جوها فمعتدل وهواؤها عليل في الصيف، وبارد وشديد البرودة في الشتاء ، حتى لتنخفض درجة الحرارة في بعض أيام الشتاء إلى ما دون درجة التجمد، فهي تصلح لأن تكون مصيفا لا مشتى ... وهي تقع بين حقول غناء ومزارع مزدهرة. فإذا حل فصل الربيع وازدهرت الحقول بدت المدينة في حلة قشيبة تأخذ بالألباب ... أما مزارعها وبساتينها فغنية بضروب الفاكهة والخضر، كالأعناب والخوخ والسفرجل والبرقوق والتين والرمان ... ويشتهر سكان هذه المنطقة بالكرم ويزاول أكثرهم مهنة الزراعة وطعامهم العادي لحوم الضأن والجبن والخبز والفاكهة.
باكستان الشرقية
وبنغال الشرقية، وهو الإقليم الذي تتكون منه باكستان الشرقية، بلاد شديدة الخصوبة كثيرة الماء متنوعة الزرع ... والواقع أن كل شيء في هذه المنطقة يتوقف على الماء؛ الزرع والطعام والمواصلات.
والسكان هنا يقتصر طعامهم في الغالب على السمك والأرز، ويزاولون زراعة الجوت والشاي، فينتجون من الجوت أكثر مما ينتجه أي بلد آخر في العالم، إذ يبلغ محصولهم منه أكثر من ثلثي مجموع محصوله في العالم كله، وزراعة هذه الكميات الكبيرة من الجوت، وكذلك زراعة الأرز والشاي، تقتضي جهودا شاقة وهمما قوية وجلدا شديدا، فضلا عما تتطلب من كثرة الأيدي العاملة. ولقد أنعم الله عليهم بهذه الخصائص كلها، فباكستان الشرقية كثيرة السكان كثيرة الخيرات.
وأهل الريف في باكستان الشرقية يقيمون في أكواخ من القصب، يقيمونها وسط مزارع الأرز الخضراء أو مزارع الألياف الذهبية، ويقتاتون بطعام صحي بسيط هو في الغالب ما يغلونه من الأرز ومن السمك والخضر، وهم يهوون الفن بطبيعتهم فيكلفون بالموسيقى والغناء والشعر والرسم.
وعاصمة بنغال الشرقية هي مدينة داكا، ويبلغ تعداد سكانها نحو 411000، وفيها من المساجد والمنائر والقباب ما ينبئ عن تراث الإسلام فيها، ولقد كانت في وقت من الأوقات تشتهر بمهارة صناعها ودقة مصنوعاتها، لا سيما الأنسجة والخيوط المذهبة والحرير ... وهي اليوم تعج بالحركة والنشاط، وتتسع فيها العمارة اتساعا مطردا، وتعد جامعتها مركزا ثقافيا عظيما وذلك لأنها المحور الذي تدور عليه الحركة الثقافية في الإقليم كله.
अज्ञात पृष्ठ
وتتصل باكستان الشرقية ببحار العالم عن طريق ميناء شيتاكونك، وهو ميناء حديث آخذ في الاتساع، وقد لا يمضي وقت طويل حتى يصبح من أكبر الموانئ ومن أكبر المراكز التجارية في الشرق.
مولد دولة جديدة
شهد فجر القرن الثامن عشر الميلادي بداية النهاية للحكم المغولي في شبه القارة الهندية، وذلك بعد أن أرسيت تقاليد الإسلام وثقافته في هذه الأرجاء الواسعة. وقد أعقب هذه النهاية انهيار في القوة السياسية وتفكك في عرى الوحدة، ونشأت حالة من الفوضى مهدت لقوة أجنبية طريق حكم البلاد، ونتج عن هذا أن عملت شركة الهند الشرقية على إقامة إمبراطورية هناك تسلمتها منها بعد زمن وجيز بريطانيا العظمى.
وكانت آخر محاولة قام بها مسلمو شبه القارة لاستعادة مراكزهم تلك المحاولة التي ظهرت في عام 1857 والتي أطلق عليها بعض المؤرخين بلا حق حركة «العصيان الهندي»، وقد نتج عن هذه الحركة تحطيم قوة المسلمين السياسية والاقتصادية، وخلا الجو للإمبراطورية الهندية البريطانية التي عرفت كيف تبسط سلطانها على البلاد بقوة وبعزم.
وكان من نتيجة هذه السياسة أن قاسى المسلمون كثيرا، وكان عليهم والحالة هذه أن يبتعدوا عن البريطانيين بل وأن يقاطعوهم.
هذا هو الموقف الذي واجه السيد أحمد خان عام 1858، وهذا هو الوضع الذي ظل قرابة أربعين سنة من بعده، ولكن أحمد خان رأى بثاقب فكره أن هذه السياسة التي يتبعها المسلمون لن تؤدي إلى غاية، وأن مما يدعو المسلمين لأن يجاهدوا في سبيل بقائهم وكيانهم وجوب تزودهم بكل ما تنطوي عليه الحضارة الأوربية الغازية، وكان أن بذل جهوده لتعليم الشعب وتدريب الشبيبة المسلمة على المساهمة في تحديد الهدف السياسي والاقتصادي.
وكان أول عمل قام به السيد أحمد أن بذل جهودا مشكورة في خلق جو من التفاهم بين الطوائف المختلفة بالهند، وفي عام 1885 ظهر حزب المؤتمر الهندي وأخذ السيد أحمد يرقبه عن بعد طوال ثلاث سنين، انتهى بعدها إلى الحكم عليه بضيق أفقه، وفي هذه الأثناء ثار جدال حول استعمال اللغة الأوردية واللغة الهندية، وتأثر السيد أحمد خان بما رآه من تنافر بين الحضارتين الإسلامية والهندية، وأدرك - وكان أول من أدرك - أنهما حضارتان منفصلتان ليس بينهما تقارب أو تماثل.
وكان يعرف أن تنافرهما لا يقتصر على اللغة بل يتعداه إلى الميدان السياسي والاقتصادي والثقافي كذلك. وعلى هذا يمكن أن يقال إن السيد خان كان أول من فكر في وجوب إقامة دولة وأمة منفصلة تضم المسلمين وتبتعد عن الهندوس، وعلى هذا أيضا يمكن أن يقال إن السيد أحمد خان كان أول باكستاني.
وبعد أن استأثرت رحمة الله بالسيد أحمد خان قام نواب محسن الملك ونواب وقار الملك فتزعما المسلمين في حركاتهم السياسية، وكان أول عمل لهما أن أبديا استنكارهما للسياسة اللغوية في البلاد.
وكان من أثر هذا التحدي الذي لمسه المسلمون من الأغلبية أن تيقظ الوعي القومي بينهم وسرت فيهم موجة كبيرة من النشاط والعمل، وتنبه المسلمون إلى ضرورة إنشاء وطن خاص بهم يستطيعون فيه أن يكفلوا مصالحهم، وتركزت كل جهودهم في تنظيم صفوفهم، وبدا ذلك بوضوح في عليكرة عام 1901.
अज्ञात पृष्ठ
وكانت الأحداث تسير بسرعة ... ولكي يرضي البريطانيون المسلمين ويخففوا بعض ما يلاقونه قرروا في يوليه 1905 تقسيم البنغال، ومع أنه كان في هذا العمل ترضية للمسلمين ورد بعض الحق والإنصاف إليهم، إلا أنه سرعان ما ألغي هذا القرار في عام 1911، وهنا أخذ الهندوس في ضم صفوفهم لتنظيم المعارضة. وقد أتاح تقسيم البنغال للمسلمين في شرقيها فرصا جديدة رحبوا بها، ولكن معارضة الهندوس كانت شديدة. وكان أن اضطربت النفوس، واضطر المسلمون الذي كانوا مبتعدين عن الجو السياسي إلى أن يقلعوا عن هذه السياسة، ولما زاد الهياج في الخواطر اضطروا إلى أن يوفدوا وفدا منهم للورد منتو ب «سملا»، وكان ذلك في أول أكتوبر عام 1906، ونجح الوفد في استخلاص بعض الدوائر الانتخابية الخاصة بالمسلمين. وكان هذا الوفد من أقوى الوفود التي اتصلت بحكومة الهند، وكان مكونا من 36 عضوا يمثلون كل الأقاليم وكل الطبقات المتعلمة، وكان مطلبه الأول من الحكومة السماح للمسلمين بتمثيل أنفسهم في إدارة البلاد والاعتراف بمركزهم بوصفهم فئة مستقلة عن الأمة.
وقد مهدت هذه الأحداث لغيرها من الحوادث السياسية عام 1906، حيث عقد الاجتماع التاريخي الأول الذي وضع فيه أساس حزب الرابطة لكل مسلمي الهند ، وهو الحزب الذي كان له أكبر أثر في المصير السياسي لشبه القارة فيما بعد، وقد تأسس هذا الحزب وكان من أول أهدافه كفالة حقوق المسلمين السياسية.
وقد استغل حادث تقسيم البنغال في إثارة حفيظة المتطرفين من الهندوس، وهنا ثار الشعور الديني وبدأت الاضطرابات الطائفية.
وكان تكوين حزب الرابطة الإسلامية بداكا أول خطوة اتخذت في سبيل الوحدة وفي سبيل الشعور بالواقع والحقائق السياسية بين المسلمين. وفي أول اجتماع عقده هذا الحزب وجه إنذارا للحكومة ضمنه عدم رضائه عن إلغاء تقسيم البنغال وجزعه من أي إجراء مثل هذا، لأن تقسيم البنغال كان أمر حياة أو موت لمسلمي البنغال الشرقية. ونما حزب الرابطة وأصبحت له مكانة مرموقة بين الجماهير حتى افتتح له فرعا في لندن، وفي عام 1909 انتخب أغاخان رئيسا للحزب، وكان أكبر همه أن يمحو الأمية السائدة بين المسلمين.
وفي عام 1909 رأى المسلمون في المقترحات التي تقدمت بها لجنة «منتور مورلاي» بصيصا من الأمل، وذلك لأنها اعترفت بحقهم في دوائر انتخابية مستقلة.
وفي سنة 1911 اهتز كيان المسلمين نتيجة للقرار الذي اتخذته الحكومة البريطانية بإلغاء تقسيم البنغال برغم الوعود والتعهدات التي أخذتها على نفسها من قبل، مما أثر في نفوس مسلمي الهند.
وفي هذه الظروف الحرجة ألف حزب الرابطة الإسلامية لجنة لوضع برنامج للمستقبل، وطالبت الرابطة لأول مرة بضرورة تأسيس حكومة ذاتية للهند.
وفي هذه الأثناء، أعلن قيام الحرب الكبرى ضد ألمانيا، وانتهز الحزبان الكبيران بالهند، وهما حزب المؤتمر وحزب الرابطة، هذه الفرصة ليطالبا بتعديلات جوهرية في نظام الإدارة بالهند، وظهر تعاون الحزبين في كثير من المسائل، ووقف رئيس حزب الرابطة يخطب في الدورة الثانية التي عقدها حزب المؤتمر في بومباي عام 1915، مما اعتبر تعاونا لم يشهد مثله تاريخ الإمبراطورية الهندية البريطانية من قبل.
وبدأ حزب الرابطة يتحدى السلطة حين عدل عن إظهار شعوره وإخلاصه للحكومة البريطانية، وراح يعرب عن غضبه وتأثره للحركة التي أدت إلى حبس مولانا محمد علي وشوكت علي وظفر علي خان وإلى مصادرة صحف المسلمين استنادا إلى قانون الصحافة الذي كان معمولا به يومئذ.
وطلب الزعيم الخالد الذكر محمد علي جناح من حزب الرابطة الإسلامية في كل الهند تأليف لجنة يناط بها وضع الإصلاحات التي تراها مع السماح لها بالتفاهم مع المنظمات السياسية الأخرى. وفي نوفمبر 1916 اجتمعت لجنة من حزب المؤتمر الهندي بحزب الرابطة الإسلامية في كلكتا، ثم اجتمعا ثانية بلكناو في ديسمبر من العام نفسه وذلك بغية وضع تفاصيل المقترحات التي يريانها للتمهيد لإقامة الحكومة الذاتية.
अज्ञात पृष्ठ
وانتشرت فكرة الحكم الذاتي في الهند انتشارا واسعا حتى اضطرت الحكومة البريطانية أن تبعث بأحد وزرائها إلى الهند لدراسة الموقف.
وفي 26 نوفمبر عام 1917 استقبل لورد مونتاجو وفدا من الحزبين، ولكن الجو كان قد تعكر نتيجة لتدخل بعض المنظمات السياسية الأخرى، واستمرار حبس الزعماء المسلمين، الأمر الذي نتج عنه شغب طائفي كان قد توقف بعض الشيء منذ زمن بعد أن ترك مرارة وحزازة في صدور كل من الهندوس والمسلمين. وقد اعتبر حزب الرابطة هذه المشاغبات ضربة شديدة موجهة إلى حركة الجهاد المشترك.
ولم يرض الهنود عن التقرير الذي وضعه لورد مونتاجو ونائب الملك لورد تشيلمسفورد عن دستور الهند المقبل، وثارت النفوس بالهند، وأعرب الهندوس وكذلك المسلمون عن استيائهم من التوصيات التي تقدمت بها الحكومة. وقام الدكتور أنصاري يحذر الحكومة من أن المسلمين لن يسمحوا بإحداث أي تغيير في حقوق المسلمين في الدوائر الانتخابية المستقلة.
وهنا قام مسلمو شبه القارة بحركة تحد ضد الحكومة البريطانية لم يسبق لها مثيل. وأصبحت حركة الخلافة التي أثارها مولانا محمد علي بعد ما انتاب تركيا من نكبات على أثر انتهاء الحرب العظمى حركة يهتم لها كل مسلم في الهند، بعد أن كانت المسائل السياسية من اختصاص المتعلمين منهم وذوي الرأي والفكر فقط، وكان من أثر ذلك أن أصبح حزب الرابطة الإسلامية حزبا شعبيا كبيرا.
وفي هذه الأثناء اقترح مولانا «موهاني» إعلان استقلال الهند استقلالا تاما.
وكان موقف جناح من هذه الأحداث موقف السياسي المحنك، فكان من رأيه الجهاد في سبيل الدستور مع الانضمام ل «المجالس» في سبيل الحصول على نظام «الدومنيون»، وكان قد اعترى حزب الرابطة خلال هذه المدة بعض الضعف فبذلت الجهود الكبيرة لإحياء الحزب، ورأس جناح الحزب في وضعه الجديد، وفي المجلس التشريعي المركزي قام جناح يطالب بتأليف لجنة جديدة لدراسة الإصلاحات المرجوة من جديد.
وكان طبيعيا أن يؤثر إلغاء الخلافة في تركيا الكمالية على حركتها بالهند، فقامت بعض الاضطرابات الطائفية بين المسلمين والهندوس. وظهر أن من المتعذر تحقيق اتحاد المسلمين مع الهنود، وكانت آخر محاولة في هذا السبيل تلك المحاولة التي بذلت عام 1924 وباءت بالفشل.
وفي عام 1927 أرسلت إنجلترا إلى الهند لجنة «سيمون» بقصد دراسة الأوضاع، وهنا قام جناح يطالب بالنقاط الأربعة عشرة التي تتضمن فيما تتضمن كفالة حقوق الأقلية المسلمة.
وفي آخر أكتوبر 1930 أعلن نائب الملك بالهند قرار الحكومة البريطانية بعقد مؤتمر الدائرة المستديرة، لكي يشترك فيه الزعماء السياسيون في شبه القارة. واجتمع هذا المؤتمر بلندن في 12 نوفمبر 1930، وفيه طالب المسلمون بوجوب النص في الدستور على كفالة حقوقهم.
وفي هذا الوقت كانت الرابطة الإسلامية تعقد دورتها السنوية في «الله أباد» وعلى رأسها الدكتور محمد إقبال، وهناك طالب إقبال في خطاب تاريخي عظيم بوجوب اتحاد المسلمين وتكوين دولة خاصة بهم.
अज्ञात पृष्ठ
وكان مما جاء في هذا الخطاب الخالد قوله:
ليست الوحدات في المجتمع الهندي إقليمية كما هو شأنها في الدول الأوروبية، فالهند قارة تضم إليها مجموعات بشرية ترجع إلى أجناس مختلفة وتتكلم لغات متباينة وتؤمن بأديان غير متقاربة، وإن المبدأ الذي تعتنقه أوروبا الديمقراطية لا يمكن تطبيقه بحال على الهند دون أن يسبقه اعتراف بوجود المجموعات الطائفية، وعلى هذا فمطالبة المسلمين بتأسيس هند إسلامية داخل الهند مطلب له ما يبرره تماما ... وبودي أن أرى البنجاب وإقليم الحدود الشمالية الغربية والسند وبلوجستان وقد توحدت وأصبحت دولة واحدة.
ويبدو لي أنه ليس أمام المسلمين سوى هدف أخير واحد، هو تكوين حكومة ذاتية لهم إما داخل الإمبراطورية البريطانية وإما خارجها، وتكوين دولة إسلامية هندية تقع في شمال غربي الهند. وهذا الرأي يجب ألا يخيف الهندوس أو البريطانيين، فالهند إنما هي أكبر دولة إسلامية في العالم، وحياة الإسلام كعامل ثقافي حضاري في هذه الدولة إنما ينهض على تركيزه في حدود معينة فقط، وفي رأيي أن تركيز هذا العدد الهائل من المسلمين في الهند، ومنهم جنود الجيش ورجال البوليس الذين جعلوا الحكم البريطاني في هذه الدولة سهلا ممكنا، برغم المعاملة غير العادلة التي يلقونها من البريطانيين. أقول إن هذا التركيز إنما هو الحل لمشكلة الهند بل لمشكلة آسيا أيضا، وهذا الحل من شأنه أن يزيد من مسئولياتهم وأن يرهف من شعورهم الوطني. وإذا ما أتيح لهذه الدولة المسلمة الجديدة أن تقوم فإنها ستكون المدافع الأكبر عن الهند ضد أي هجوم أجنبي عليها، سواء أكان هذا الهجوم هجوم مبادئ أم هجوم حراب ...
وأنا لهذا أطالب بتكوين دولة إسلامية موحدة ... وقيامها هذا سيكون في صالح الهند كما هو في صالح الإسلام ... سيكون قيام هذه الدولة الجديدة في صالح الهند لأنها ستعنى بإقرار السلام والطمأنينة نتيجة لتوازن القوى في الداخل، وستكون كذلك في صالح الإسلام لأنها ستعمل على محو الطابع الاستعماري الغربي الذي أجبرت على أن تطبع به، ولأنها ستتيح للقوانين الإسلامية أن تسود، وللتعليم والثقافة أن يعملا جنبا إلى جنب، وفي تعاون، لإظهار الروح الإسلامية الصحيحة وإمكان تطبيقها في هذا العصر الحديث.
ويرى بعض المفكرين في هذا الذي نادى به إقبال عام 1930 نبوءة عن تأسيس دولة الباكستان، كما يرون أنه المؤسس الروحي لهذه الدولة.
وكان جناح في هذه الأيام في لندن ولكنهم طلبوا منه العودة ليتسلم زمام المسلمين، فلما عاد ألف فرعا للرابطة الإسلامية في داخل الجمعية التشريعية.
وكانت الرابطة قد أصابها وهن سرعان ما تغلب جناح عليه ورد فيها الحياة. وفي أبريل 1936 عقدت الرابطة دورتها في بومباي، وفيها تقرر دخول المسلمين الانتخابات الإقليمية، كما تألف فيها مجلس برلماني مركزي. وفي الاجتماع السنوي الذي تلا هذا الاجتماع، وكان في لكنو، وضع جناح برنامجه الإنشائي، وفيه تقرر عدم قصر عضوية الحزب على القلة المتعلمة، بل السماح لملايين المسلمين بالانضمام إليه.
وكان عسيرا على الهيئة الجديدة الاشتراك في هذه الانتخابات، خاصة وأن المسلمين يقلون بكثير جدا عن الهنود. وبرغم أن اجتماع حزب الرابطة لم يسفر عن نجاح مشهود في هذا السبيل فإنه كان فرصة للمسلمين لكي يعبروا عن مشاعرهم في المجالس التشريعية.
وعندما اشتد ساعد حزب المؤتمر، الذي يمثل الأغلبية الهندية، في الأقاليم بدأ المسلمون يشعرون بما أصاب مصالحهم بل وثقافتهم من ظلم، الأمر الذي أدى إلى إيقاظ الوعي القومي فيهم.
وابتدأ حزب الرابطة يقوى وأصبح برنامجه ثوريا يهدف إلى التغيير والتعديل، وبعد أن كان يحاول الحصول على حكومة مسئولة أصبح يهدف إلى الاستقلال المطلق، كما أعلن عن عزمه على إلغاء نظام الملكية. •••
अज्ञात पृष्ठ
وعندما نشبت الحرب العالمية الأخيرة في عام 1939 رأت الحكومة البريطانية نفسها مضطرة لأن تعدل سياستها بالهند، وقد عمد حزب المؤتمر الهندي إلى إحراج مركز الحكومة البريطانية وذلك بأن طلب إلى وزاراته بالأقاليم المختلفة الاستقالة من الحكم، وقد عد المسلمون هذا العمل نصرا كبيرا واحتفلوا به في كل مكان على أنه يوم من أيام الخلاص، وكانت بريطانيا وقتئذ تقاسي من أهوال الحرب، ولم يكن هناك من يتوقع لها النصر.
وعمد حزب الرابطة في هذه الأثناء إلى تعديل برامجه وأهدافه كذلك، وأخيرا قبلت فكرة إقبال وتقرر في الدورة التاريخية التي عقدها حزب الرابطة بلاهور عام 1940 الموافقة على قرار «الباكستان».
وقد جاء في هذا القرار التاريخي ما يلي:
وفي رأي المؤتمر في دورته الحالية أنه لن يمكن تحقيق أي خطة دستورية في هذه البلاد يقبلها المسلمون، إلا إذا جرت حسب المبادئ الأساسية التالية، بمعنى أن الوحدات الجغرافية المتجاورة يجب أن تخطط وتحدد بعد إدخال بعض التعديلات الإقليمية إن دعت الضرورة لذلك، بحيث تصبح المناطق التي تقطنها غالبية من المسلمين، كما هو الحال في المناطق الشمالية الغربية والشرقية من الهند، ولايات مستقلة تتمتع الوحدات المكونة لها بالاستقلال والسيادة.
ويجب أن يتضمن الدستور كفالة حقوق الأقليات في الوحدات وفي المناطق كفالة تامة فيما يتعلق بحماية دينهم وثقافتهم واقتصادهم وسياستهم وشئون الإدارة بينهم، وكذلك كفالة الحقوق والمصالح الأخرى بالتشاور معهم. وفي المناطق الأخرى من الهند حيث يكون المسلمون أقلية يجب كفالة حقوقهم كفالة تامة فيما يتعلق بالاحتفاظ بدينهم وثقافتهم واقتصادهم وسياستهم وشئون الإدارة بينهم، وكذلك صيانة حقوقهم ومصالحهم الأخرى بالتشاور معهم.
وقد خول المؤتمر السلطة للجنة التنفيذية لوضع مشروع للدستور يتمشى مع هذه المبادئ الأساسية ويستطيع أن يزود الأقاليم المختصة بكل السلطات كالدفاع والشئون الخارجية والمواصلات والجمارك وغيرها مما تدعو الحاجة إليه.
وعلى الرغم من أن إقبال كان قد انتقل إلى الرفيق الأعلى قبل هذا بسنتين، فإن محمد علي جناح كان قد اعتنق فكرته كما اعتنقها معه حزب الرابطة الإسلامية ومن ورائه ما يقرب من مئة مليون مسلم يقطنون شبه القارة الهندية الباكستانية.
وتلا ذلك أعوام من الشدة والقلق إذ اقتربت الحرب من حدود شبه القارة، وكان دخول اليابان الحرب وتأرجح مصير الحلفاء في مختلف الميادين مدعاة لقيام حزب المؤتمر الهندي بحملة جديدة أخرى شنها في وقت كانت بريطانيا نفسها تناضل فيه للإبقاء على ذاتها.
ولما فشلت مهمة سير ستافورد كريبس تشجع زعماء حزب المؤتمر وظنوا أن الحكومة البريطانية لا تستطيع العمل بدونهم. وقامت بعثة برلمانية بزيارة الهند، ودعا نائب الملك وقتئذ، لورد ويفل، إلى اجتماع يعقد في سملا ويشترك فيه زعماء المؤتمر والرابطة الإسلامية. وفي هذا الاجتماع أصر محمد علي جناح على وجوب تحقيق فكرة الباكستان التي أصبحت الهدف الذي يتطلع إليه حزب الرابطة، ورفض أن يشترك في أية مباحثات ما لم تقبل هذه الفكرة أساسا لها، ولما لم يرض المسلمون عن خطة ويفل أعلن فشل المباحثات.
وأعقب قدوم البعثة البرلمانية إلى الهند قدوم بعثة أخرى مكونة من أعضاء من مجلس الوزراء البريطاني، وقد تقدمت بمشروع جديد يتضمن حلا يقوم على تقسيم المناطق، ومع أن حزب الرابطة كان قد قبل هذا الحل في أول الأمر إلا أن المناورات والسياسة التي كان يتبعها زعماء حزب المؤتمر قضت على كل أمل في إمكان قيام وحدة في البلاد. ومن جديد قام حزب الرابطة، ومن ورائه الملايين العديدة من المسلمين، يطالب بقيام الباكستان دولة إسلامية مستقلة ذات سيادة، باعتبار أن هذا هو الحل الوحيد الذي يقبلونه.
अज्ञात पृष्ठ
ولما تولى حزب المؤتمر الحكم في الحكومة المركزية عد المسلمون هذا العمل ضربة موجهة إليهم، وفي الحال عقدت الرابطة اجتماعا في بومباي حيث اتخذت القرار التاريخي المعروف بقرار «العمل المباشر»، وطلب الحزب من كل أعضائه التنازل عن أي لقب يحمله أحدهم من الحكومة البريطانية، وأعلن عن نضاله السافر ضدها.
وقد دل حزب الرابطة في كل أعماله على أنه ممثل المسلمين كافة، واستطاع أعضاؤه أن يفوزوا بأغلبية أصوات المسلمين في الانتخابات المركزية والإقليمية. ولما اشترك المسلمون مع الهندوس في حكومة ائتلافية يرأسها نائب الملك، كان حلم الباكستان وشيك التحقيق وظهرت أمام المسلمين بارقة من الأمل، ودعت الحكومة البريطانية إلى مؤتمر يعقد بلندن وحضره ممثلون لحزب الرابطة ولحزب المؤتمر، وفي 3 يونيه عام 1947 أعلن قبول فكرة تأسيس الباكستان كما أعلن استقلال الهند.
وفي 14 أغسطس من عام 1947 قامت الباكستان بعد جهاد طويل مرير بدأ منذ عام 1857 واستمر تسعين سنة، بذلت فيها تضحيات كبيرة وقاسى فيها المسلمون ألوانا من الضيق والإكراه والشدة، ولكنهم كانوا خلالها أبطالا صمدوا للأحداث وواجهوها بقلوب عامرة وعزم ثابت، وهكذا قامت هذه الدولة وهي تستند إلى جهاد طويل وثقافة تعود إلى آلاف السنين.
ولقد دلت الأحداث الكثيرة التي مروا بها خلال القرن التاسع عشر على استحالة الحياة مع أمة غيرهم تكبرهم بثلاثة أضعاف.
ومنذ سنة 1936 حتى 1947 كان القائد الأعظم محمد علي جناح محور السياسة الذي كان حزب الرابطة يدور حوله، والقائد الزعيم الذي كان المسلمون يتطلعون إليه، وهكذا نجح هذا الزعيم القادر، وحوله القلوب المطمئنة المؤمنة، في تحقيق هذا الحلم الجميل.
وقد أطلق على الدولة الجديدة اسم باكستان لأن باكستان معناها أرض الطهر. ولكن الكلمة ترمز إلى جانب ذلك إلى الولايات المختلفة التي تتكون منها هذه البلاد؛ فحرف (ب) يرمز إلى بنجاب، وحرف (ا) يرمز إلى الباتان، وحرف (ك) يرمز إلى كشمير وإن كانت لا تزال معلقة المصير، وحرف (س) يرمز إلى سند. أما كلمة ستان فمعناها دولة.
وباكستان هي حقا بلاد الجد والفضيلة والنهضة، وقد نشأ أهلها على حب مصر والمصريين، وهم يحرصون كل الحرص على علاقتهم الودية بمصر ويودون لو زاد المصريون من توثيق علاقاتهم بباكستان. ولا أزال أذكر كيف أنني في أول ليلة من وصولنا إلى كراتشي خرجت مع الزملاء من الفندق نلتمس مكانا نقضي فيه السهرة أو بعض الوقت، فسرنا على أقدامنا مسافة طويلة ولم نجد شيئا، ثم عدنا في النهاية إلى الفندق ليقضي كل منا السهرة في حجرته، كانت الأضواء قد سلطت على المتاجر الكبيرة لتعرض بعض مصنوعات باكستان الناهضة لا ليعلن عن الملاهي أو دور السينما أو المشارب.
وقد قامت الباكستان لا لتكون غاية وإنما لكي تكون وسيلة تستهدف المساهمة مع بقية شعوب العالم في إقرار السلام وإشاعة الطمأنينة.
وقد جاهدت منذ أول يوم ارتفع فيه صوتها في المحافل الدولية في الدفاع عن الأمم الضعيفة والمظلومة، وليس ذلك غريبا على دولة تأسست لنشر العدل والطمأنينة بين رعاياها بعد طول ما قاسوا من ظلم واضطهاد.
ولكن هذا لا يمنع من القول إن الحياة في كراتشي عاصمة باكستان لا تكاد تختلف عن الحياة في أية عاصمة أخرى من العواصم الغربية، وإنه يمكن لمن يريد أن يجد فيها المتع التي يجدها في العواصم الأخرى.
अज्ञात पृष्ठ
القائد الأعظم!
كانت أول زيارة قمنا بها في كراتشي هي زيارة قبر «محمد علي جناح» أو القائد الأعظم كما يطلق عليه سكان باكستان.
ولا شك أن محمد علي جناح هو القائد الأعظم بالنسبة لملايين المسلمين الذين أسسوا دولة باكستان، فحقق لهم حلما جميلا ظل يداعبهم قرنا من الزمان.
وتاريخ محمد علي جناح يعتبر درسا للشباب ولهؤلاء الذين يظنون أحيانا أن الأمانة والصدق في السياسة مما يعوق عن الوصول.
ولد جناح في 25 ديسمبر من عام 1876، واعتادت باكستان، حكومة وشعبا، أن تحتفل دائما بذكرى هذا اليوم تخليدا لاسم الرجل الذي قاد مسلمي شبه القارة الهندية في جهادهم وحقق لهم حريتهم.
وعندما تحتفل باكستان بذكرى مولد محمد علي جناح فإنها في الواقع تحتفل بالتراث المجيد الذي خلفه لها الرجل، ممثلا في تلك الدولة القوية الفتية التي أصبحت أكبر الدول الإسلامية في العالم، وفي ذلك الشعار الذي رسمه لبني وطنه ولخصه لهم في ثلاث كلمات هي: الاتحاد والإيمان والنظام.
وقد نشأ جناح في أسرة يحترف عائلها التجارة، وكان من المنتظر أن يشتغل بالتجارة مثل أبيه، ولكنه ما لبث أن تحول إلى دراسة القانون وسافر إلى بريطانيا ليتم دراسته القانونية هناك، وكان عمره إذ ذاك 16 عاما.
وقضى جناح في البيئة الإنجليزية أربع سنوات اتصل فيها بالحياة العامة في بريطانيا وتأثر بأساليب السياسة الإنجليزية، وهي سياسة عملية في صميمها لأن حياة الشعب البريطاني تتوقف على التجارة وهو مضطر أن يبحث دائما عن أسواق خارجية لتصريف المصنوعات التي ينتجها في بلاده.
فلما عاد القائد الأعظم إلى الهند واشتغل بشئون القانون ومنها المحاماة وسلك سبيل الحياة التشريعية بعد أن انتخب في المجلس التشريعي الهندي، زاده ذلك كله اتجاها للحياة العامة التي أخذ يعالجها بروح عملية لا تنسى المثل العليا ولكنه لا يقف جامدا أمامها.
وكان في أول أمره متصلا بحزب المؤتمر في الهند وأغلبيته من الهندوس، وكان يحسب أنه يستطيع أن يجد الوسيلة العملية التي تمهد للهند كلها سبيل الحكم الذاتي، وتمهد للمسلمين الوسيلة لحريتهم وإقامة شعائرهم والعيش حسب عقائدهم، فلما نشأ حزب الرابطة الإسلامية جعل القائد الأعظم همه أن يوفق بين هذا الحزب وحزب المؤتمر.
अज्ञात पृष्ठ
ولكنه رأى في آخر الأمر أن هذا التوفيق غير يسير، وأن قسمة شبه القارة الهندية إلى دولتين هما الهندوستان والباكستان هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق الفكرة الأولى في سبيل الغاية التي يسعى إليها، كما أنه الوسيلة لإقامة دولة إسلامية كبرى يكون لها في الحياة الدولية مقام له اعتباره وتقديره.
والعجيب في حياة القائد الأعظم أنه رغم زعامته لأكبر أمة إسلامية وتأسيسه لدولة قامت على الدين، فإنه لم يكن يتظاهر أبدا بالنسك والتصوف أو الإغراق في التقوى والصلاح، ومع ذلك فلم يؤخذ عليه أبدا أنه ظهر بصورة تخالف ما يجب أن يظهر به الزعيم المسلم، وكان إذا اشترك في اجتماع وحان وقت الصلاة أم الحاضرين.
وكان مثالا للسماحة التي يتصف بها كل من يفهم الإسلام على حقيقته، وكان يزوره في منزله المسلمون وغير المسلمين من أبناء الطوائف الأخرى، كما كان هو نفسه يزور أصدقاءه من المسلمين وغيرهم.
القائد الأعظم: محمد علي جناح.
روى لنا السردار نشتر، وقد كان ممن اشتركوا مع محمد علي جناح في جهاده لتأسيس باكستان، أنه كان يزور يوما بصحبة القائد الأعظم إقليم الولايات الشمالية عند الحدود، فلما اقتربت السيارة من إحدى المدن هدأت من سيرها فخرجت جموع غفيرة لاستقبال القائد الأعظم والترحيب به، وكان على رأس هذه الجموع العلماء وكبار المشايخ بعمائمهم الكبيرة ولحاهم وملابسهم التقليدية التي تدل على مركزهم الديني.
وكان هؤلاء العلماء الذين يطلقون عليهم اسم «الملا» يعدون وراء سيارة القائد الأعظم دون حساب لمركزهم الديني، ودهش القائد الأعظم لهذا المنظر فالتفت إلى السردار نشتر وقال له: لماذا يجري هؤلاء العلماء والمشايخ وراءنا بهذا الشكل؟! إنني رجل أرتدي الزي الإفرنجي وأطلق لحيتي وشاربي وليس في مظهري ما يدل على التقديس ... فلماذا يعدون ورائي هكذا ... لماذا؟!
وأخذ يكرر كلمة «لماذا» ...
وسكت السردار نشتر من فرط تأثره بالموقف، وما لبث أن سمع القائد الأعظم يتحدث من جديد وكأنه يرد على السؤال الذي ألقاه على نفسه، وسمعه يقول: نعم، إن السبب هو الثقة! ... إنهم يثقون بقائدهم ويعلمون أنه يعمل لخيرهم ولصالح أمتهم!
وقد أقعد الجهاد في سبيل تأسيس الوطن محمد علي جناح عن الزواج حتى بلغ الأربعين من عمره، ثم حدث في عام 1916 في أحد الاجتماعات العامة التي عقدت في بومباي أن كان أحد أثرياء الفرس واسمه «دنشابتيت» يشهد الاجتماع ومعه ابنته الحسناء «رتن»، وكان الثرى الإيراني وابنته من أتباع زرادشت.
وفي ذلك الاجتماع الحافل أعجبت الإيرانية الحسناء بمحمد علي جناح وهو يصول ويجول ويخطب ويقارع الحجة بالحجة وينتصر في المعارك الخطابية التي يدخلها، فما انتهى الاجتماع إلا وأبدت له الفتاة إعجابها وتقربت منه وصارحته بأنها تتمنى لو تزوجت برجل مثله.
अज्ञात पृष्ठ