قال: فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون، فسمع حديثهم، فقال بعضهم: عجبا، إن الله ﵎ اتخذ من خلقه خليلا، اتخذ إبراهيم خليلًا.
وقال آخر: ماذا بأعجب من كلام موسى، كلمه تكليما.
وقال آخر: ماذا بأعجب من جعله عيسى كلمة الله وروحه.
وقال آخر: ماذا بأعجب من آدم، اصطفاه الله عليهم - زاد رزين -: وخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته - ثم اتفقا -.
فسلم رسول الله ﷺ، على أصحابه، وقال: " قد سمعت كلامكم وعجبكم أن إبراهيم خليل الله، وهو كذلك، وأن موسى نجي الله، وهو كذلك، وأن عيسى روح الله وكلمته، وأن آدم اصطفاه الله وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة، ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله، ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مُشفع يوم القيامة، ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين، ولا فخر ".
أخلاقه ﷺ
سُئلت عائشة رضي الله تعالى عنها، عَنهُ، فقالت: كان خُلُقُه القرآن؛ يغضب لغضبه، ويرضى لرضاه، ولا ينتقم لنفسه، ولا يغضب لها، إلا أن تُنهك حُرمات الله فيغضب الله، وإذا غضب لم يقم لغضبه أحد.
وكان أشجع الناس، وأسخاهم، وأجودهم، ما سئل، فقال: لا، ولا يبت في بيته دينار ولا درهم، فإن فضل، ولم يجد من يأخذه، وفجأه الليل، لم يرجع إلى منزله حتى يبرأ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت أهله عامًا فقط، من أيسر ما يجد من التمر والشعير، ثم يؤثر من قوت أهله حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام.
وكان من أحلم الناس، وأشد حياء من العذراء في خدرها، خافض الطرف، نظرهُ الملاحظة.
وكان أكثر الناس تواضعًا، يجيب من دعاه من غنى أو فقير، أو حر أو عبد.
وكان أرحم الناس، الإناء للهرة، وما يرفعه حتى تروى، رحمة لها.
وكان أعف الناس، وأشدهم إكرامًا لأصحابه، لا يمد رجليه بينهم، ويوسع عليهم إذا ضاق المكان. ولم تكن ركبتاه تتقدم ركبة جليسه. له رفقاء يحفون به، وإن قال أنصتوا له، وإن أمر تبادروا لأمره، ويتحمل لأصحابه، ويتفقدهم، ويسأل عنهم، فمن مرض عاه، ومن غاب دعا له، ومن مات استرجع فيه، وأبعه الدعاء له، ومن تخوف أن يكون وجد في نفسه شيئًا، انطلق إليه حتى يأتيه في منزله. ويخرج إلى بساتين أصحابه، ويأكل ضيافتهم، ويتألف أهل الشرف، ويكرم أهل الفضل. ولا يطوى بشره عن أحد، ولا يجفو عليه، ويقبل معذرة المعتذر إليه، والضعيف والقوي عنده في الحق سواء، ولا يدع أحدًا يمشي خلفه، ويقول: " خلوا ظهري للملائكة ". ولا يدع أحد يمشي معه وهو راكب، حتى يحمله، فإن أبى قال: تقدمني إلى المكان الفلاني. ويخدم من خدمه، وله عبيد وإماء، ولا يرتفع عنهم في مأكل ولا ملبس. قال أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه: خدمته نحوا من عشر سنين، فوالله ما صحبته في حضر ولا سفر لأخدمه إلا كانت خدمته لي أكثر من خدمتي له، وما قال لي أف قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلت كذا. ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلمفي سفرٍ، فأمر بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول الله، عليَّ ذبحها.
وقال آخر: عليَّ سلخها.
وقال آخر: عليَّ طبخها.
فقال رسول الله ﷺ: " وعَلَيَّ جمع الحطب ".
فقالوا يا رسول الله، نحن نكفيك.
فقال: " قد علمت انكم تكفونني، ولكن أكره أن أتميز عليكم؛ فإن الله يكره من عبده أن يراه مُتميزًا بين أصحابه ". وقام فجمع الحطب.
وكان في سفر، فنزل إلى الصلاة، ثم كر راجعًا.
فقيل: يا رسول الله، أين تريد؟ فقال: " أعقل ناقتي ".
فقالوا: نحن نعقلها.
قال: " لا يستعن أحدكم بالناس ولو في قضمة من سواك ".
وكان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، وإذا انتهى إلى القوم جلس حيث انتهى به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل أحد من جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدًا أكرم عليه منه، وإذا جلس إليه أحدهم لم يقم ﷺ حتى يقوم الذي جلس إليه، إلا أن يستعجله أمر، فيستأذنه. ولا يقابل أحدًا بما يكره، ولا يجزي السيئة بمثلها، بل يعفو ويصفح.
وكان يعود المرضى، ويحب المساكين، ويجالسهم، ويشهد جنائزهم، ولا يحقر فقيرًا لفقره، ولا يهاب ملكًا لملكه.
1 / 19