فلما رجعت الرسل إلى المشرق اعلموا اخوانهم بسيرة عبد الرحمن وعدله وفضله ، وبعثوا بعد ذلك باموال أكثر من الأولى ، فلما وصلت إلى عبد الرحمن شاور اصحابه أيضا ، فقالوا : رأيك يا أمير المؤمنين ، فقال اما إذ رددتم إلى الرأي ، فان رايي أن يرد إلى أهله ، فهم أحوج منا إليه فقد قوانا الله واغنانا ، فله الحمد ، فشق ذلك على الرسل وليس لهم بد من طاعة الامام ، فعجب أهل المشرق من زهادة الامام في الدنيا ورغبته في الآخرة فأقروا بامامته ووصلوه بكتبهم . فكانت تاهرت حرزا وحصنا لجماعة أهل الدعوة وسميت المعسكر المبارك . قلت أما كون الإمام رحمه الله وافق اصحابه في صرف المال الأول في الوجوه التي ادلوا بها لما رأى في ذلك من سد الخلل ، وأما رده المال الآخر فلعله تعلق بقوله صلى الله عليه وسلم تؤخذ من اغنيائكم وترد في فقرائكم ، فقصد التخصيص في الاضافة ورأى فقراء مواضع أخذت منه الزكاة بها أولى ، ولعله علم ان في المال الأول مالا غير مال الصدقة ، وان المال الآخر كله من مال الصدقة فرأى فيه الرأي الذي ذكرته من صرفه في فقراء الجهة التي أخذ منها المال .
पृष्ठ 48