فلما أتفقوا على عمارتها أمروا مناديا ينادى بسباعها ووحوشها وهوامها ان أخرجوا فانا اردنا عمارة هذه الارض فأجلوها ثلاثة أيام ، وبلغنا أنهم راوا وحوشها تحمل أولادها خارجة بها منها ن فكان ذلك مما رغبهم في عمارتها وقوى عزمهم على انشائها . ثم أنهم اطلقوا النيران فاحترقت أشجارها ، وبقى أصول ما احترق منها فشق عليهم مؤونة أقتلاعها ، فعمدوا إلى حيس فلثوه بعسل ،وجعلوا تحت أصل كل شجرة منها شيئا قليلا ، فلما جن الليل طرقت الخنازير تلك الاصول ، فجعلت تتبع رائحة الحيس ن وتحفر تحت الاصول ، حتى أتت على آخرها ، فلما أصبحوا وجدوها مقتلعة ، فعمدوا إلى مكان فأصلحوا لصلاتهم ن فلما أرادوا بناءه وقع اختيارهم على اربعة مواضع فاقرعوا عليها أيها يجعل المسجد الجامع ، فوقعت القرعة على المكان الاول الذى اصلحوا لصلاتهم ، فبنوا الجامع به ، ثم أخذوا فى انشائها وعمارتها ، فجعلوها ديارا وقصورا .
ثم أن أهل الخير والصلاح وذوى الآراء السديدة من جماعة أهل الدعوة رأوا ان لهم قوة تجب معها عليهم تولية أمام . فتشاوروا فيمن يرون لذلك أهلا من القبائل ، فوجدوا من كل قبيلة رأسا أو رأسين ، فكل منهم أهل لذلك فقال فضلاؤهم : أن عبد الرحمن بن رستم ممن لا تجهلون فضله ، وهو أحد حملة العلم وعامل الامام أبى الخطاب رحمه الله ، وقد كان المسلمون عرضووا عنها ودفعها عن نفسه فهو أهل للامامة لدينه وعلمه ، وسابقته ، ومكانه ، وغير ذلك من حميد أوضافة ، لا سيما وليست له قبيلة تمنعه أن بدل أو غير . فأن رأيتم توليته أموركم فافعلوا ، فاتفق رأيهم جميعا على توليته ، فبايعوه على الامامة ، بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وآثار الخلفاء الراشدين ، فأحسن السرة في أمامته ولم ينقم عليه احد في حكومته ، ولم يكن في أيامه أختلاف ، والاباضية كلها يومئذ مجتمعة متآلفة لم يثر فيها ثأئر.
पृष्ठ 44