(والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) هؤلاء المسلمون عرفوا أن اليوم ليس لهم فلم يقنطوا من الغد، وعرفوا أن الله لم يخلفهم وعده، وإنما هم الذين أخلفوا الله العمل فلما تذاكروا تفريطهم السيىء وتهيئوا لإصلاح شئونهم: (قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون * قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين * فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون * قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين * عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون). ولقد أبدلهم الله خيرا ألف مرة من المعرة التى أصابتهم بعد أن اصطلحوا على مولاهم الكريم، وها هى ذى القلوب تقر بالإيمان وتفيض باليقين، من هذه الصفوف التى كانت منتقضة الغزل موزعة الرأى ثائرة الهوى، فأصبحت بين عشية وضحاها متساندة القوى ملتصقة المناكب بادية الإخاء؟ وهؤلاء الحكام الذين كانوا ألعوبة فى أيدى الغاصبين ومكر المتسلطين، لقد حالوا خلقا آخر من طراز كريم!! أجل... فقد عاد للمسلمين رشدهم وهم الآن يتهيأون لكيما يكيلوا لأعداء الله ضربة تمحو ببأسها كل ما ذاقه الصليبيون من نصر قديم. حقا إنها أعوام طوال، ولكن ما قيمة عشرة أعوام أو عشرين أو أربعين فى تاريخ أمة تقتطع عمرها على الأرض بالقرون؟ وحقا لقد غضب المسلمون فى قرارتهم إذ شعروا ببيت المقدس يغشاه غير أهله وبأولى القبلتين يعطل مصلاها العتيد! بلى... والله إن الأمر لحزن... ثم بدأ الصراع، وتطلعت آمال المشرق والمغرب إلى نتائجه، الصليبيون من ورائهم أمداد أوروبا تمخر عباب البحر، وتحت أيديهم أراض واسعة يتشبثون بها منذ أن انتصروا فى المعركة الأولى، وفى قلوبهم غليل أسود غرسته أكاذيب رجال الكهنوت ممن كانوا يبيعون أرض الجنة بالقراريط لمن يشاءون! وهناك المسلمون الذين تختلج فى حناياهم قلوب عامرة ، فيها الحفاظ على رسالة التوحيد وبذل المهج دونها... ولا ريب أن إبلاغ هذه الرسالة العظمى مرتبط ببقاء الدولة الإسلامية فى هذه الحياة، فلابد من إلقاء المغيرين عليها إلى جوف البحر، ص _196
पृष्ठ 198