الحقيقة التى يجب أن يلتفت إليها المسلمون اليوم أن النصر جاء للمسلمين فى بدر لأنهم كانوا أجدر أناس به وأحوج الناس إليه. فمن الله عليهم وبسط يده إليهم بثمراته الغالية. وللنصر فى كل حرب أسباب فعالة لا يد للبشر فيها إلى جانب الأسباب التى لابد منها، فللحالة الجوية دخل عميق فى تصريف المعارك، وقد شاهدنا كيف يقف البرد زحف الجيوش، وكيف تقف السحب هجوم الطائرات، وكيف يؤثر هذا وذاك فى النهاية الحاسمة، وللحالة المعنوية أثر قاهر، فروح الإصرار والعناد وامتلاء القلوب بالأمل والالتفات المحكم نحو الغاية الواحدة، هذه لاشك، غير روح الانحلال والخوف وإساءة الظنون بالمستقبل وظهور التخاذل والخيانات! وحالة الجو بيد الله وحده، وحالة القلوب كذلك "القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن " أضف إلى ذلك فعل القدرة العليا التى إذا تدخلت جعلت وميض السيف يخطف الأبصار وجعلت حده لا يخطئ مجزا، ولا يغادر عنقا إلا فصله، وجعلت من طريقة التشكيل، واستغلال الفرص، وتوجيه الهجوم، واختيار الوقت له.. إلى آخره، جعلت من ذلك كله السبيل الفريدة للنصر العزيز، وقد وفر الحق لحزبه كل هذه الأسباب بعد ما أدوا واجبهم كاملا: (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم * ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين). إن معركة بدر فرضتها الظروف على القيادة الإسلامية فرضا لم يكن فى الحسبان، وشاء الله أن يجعل نتيجتها مكافأة رائعة لقوم ظلوا بضعة عشر عاما مؤمنين مصابرين، وعقابا مريرا لقوم أبطرهم الطغيان، وأغراهم بالعدوان: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون). كان موقف المسلمين فى المدينة بحاجة إلى دعم وتقوية بعد ما تكاثرت فق اليهود، ودسائس المنافقين، وماذا يصنع المهاجرون الغرباء عن موطنهم، والأنصار الغرباء بعقيدتهم بين جماهير الأعراب المتألبين حولهم من أقصى الجزيرة إلى أقصاها؟ لذلك جاء نصر بدر إنقاذا أى إنقاذ: (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون). ص _186
पृष्ठ 188