واستمع الأنصار لهذه العبارة وما تنطوى عليه من علائم الوجل والتحدى، ثم وجهوا خطابهم للعباس: قد سمعنا ما قلت، ثم قالوا: فتكلم يا رسول الله وخذ لنفسك وربك ما أحببت. فقام الرسول عليه الصلاة والسلام وتلا آيات القرآن ورغب فى الإسلام، واستثار الهمم للعمل له، والكفاح فى سبيله، واستوثق من الانتصار لدعوته، والاستمساك بشخصه، والالتفاف حوله، واعتباره واحدا من حرماتهم التى يدفعون
ص _176
عنها إلى الموت، "تمنعونى مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم " فقام البراء ابن معرور- أحد زعمائهم، فأخذ بيده وقال: والذى بعثك بالحق لنمنعك مما نمنع منه ذرارينا، فبايعنا - والله لنحن أهل الحرب! ولكن أبا الهيثم أحب كذلك أن يستوثق لقومه بعد هذا التحالف الذى يبت فى مستقبلهم، وفى علائقهم بغيرهم، فقال: يا رسول الله... إن بيننا وبين اليهود حبالا وإنا قاطعوها، فهل عسيت إن أظهرك الله عز وجل أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟
فتبسم الرسول عليه الصلاة والسلام لهذا الاعتراض وقال: "بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنتم مني وأنا منكم، أسالم من سالمتم، وأحارب من حاربتم، أخرجوا إلى اثنى عشر نقيبآ أبايعهم يكونون على قومهم كفلاء".
غير أن العباس بن عبادة شاء أن يزيد الأمر وضوحا، وألا يترك سحر الموقف يأخذ بالباب قومه فى غمرة من حماسة الإيمان وصمت الصحراء وهدأة الليل فقال بصراحة:
يا معشر الخزرج.. هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس! فإن كنتم ترون أنه إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا أسلمتموه، فمن الآن فدعوه فهو والله خزى الدنيا والآخرة. قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله، قال: الجنة، قالوا: ابسط يديك!!.
* * *
* استعداد:
पृष्ठ 177