وكيف لا تجيش شتى العواطف فى صدر راكب العضباء، وتنطلق من محابسها لا يلوى عنانها شىء، وراكب الغضباء يدرع بطحاء الجزيرة صوب البيت العتيق، وهو يحمل القرار الأخير فى تاريخ دعوته! إنه يحمل سورة براءة، السورة التى أعلنت الحرب على كل الأحزاب المريبة، والتى حددت موقف الإسلام الحاسم من أعدائه، والتى ثارت وسوف تظل ثائرة على كل عدوان يصيب المؤمنين، وكل غدر ينزل بالمجاهدين.
والآن لقد تغير الأمر كله وسوف يعلم الناس قريبا.
وحث الراكب العظيم مطيته إلى البيت العتيق.. إلى البيت العتيق.
* * *
* أمير الحج.. وسفير الرسول:
صف أبو بكر الناس خلفه ثم استوى نحو القبلة وتهيأ للتكبير، وإذا انتباهه يتجمع، وسمعه يصيح.. هذا صوت العضباء ناقة رسول الله عليه الصلاة والسلام ترى! هل بدا للرسول عليه الصلاة والسلام أن يحج هذا العام؟ إذن فليرجئ أبو بكر الشروع فى صلاته، فلعل النبى الكريم أن يكون إمام القوم فى هذا الصبح الميمون.
واستدار أبو بكر ليستقبل القادم وإذا صاحب الناقة على بن أبى طالب، وليس رسول الله عليه الصلاة والسلام فدهش أبو بكر وصاح: أمير أم سفير؟
ص _173
- بل سفير، جئت أتلو على الجموع الوافدة إلى البيت سورة براءة، ليبصر كل مشرك طريقه بعد اليوم، هيهات أن تقر للطاغين عين، لقد صرح الشر واستبان السر، لئن كانت شراذم الأعراب وبضعة الرؤساء الحمقى قد وجدوا بالأمس هوادة من المسلمين ولينآ فاستعلت الغواية وطغى الباطل إن اليوم تؤدب سيوف الإسلام النواصى الغبية، والأهواء الشرسة، وصيحة الحق لكارهيه هى:
(واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين).
पृष्ठ 173