وفى طليعة هؤلاء الرجال على بن أبى طالب كرم الله وجهه، فقد كان منطقيا مع نفسه على هذا النحو الدقيق، يسعى إلى النصر من سبيل الشرف والصراحة ولو أدركه الجهد وغامت النتائج! ويكره هذا النصر من كل السبل الأخرى، بل يرفضه وهو فى متناول يده!.
وتفصيل سيرته معروف. ونسوق على سبيل المثال منها موقفه عندما سبقه جند الشام إلى الاستيلاء على الماء، وكان يستطيع تدويخهم عطشا بعد أن استولى عليها منهم، ولكنه أبى ذلك وتركهم يستقون!!
وكان أعداؤه يعلمون أن طبيعته تأبى عليه حرمانهم من الماء وإن سبقوه هم بالحرمان، ذلك أن عليا يكره النصر بهذا الثمن ويحتقر الحرب بهذا السلاح، فإن طبيعة الفرسان ذوى التقاليد الكريمة، أن يبرز الواحد منهم لصاحبه فى الساحة العادلة، فإذا زلقت قدمه لم يسارع إلى الإجهاز عليه بطعنة غادرة، بل أعانه على الوقوف لينتصر عليه فى مبارزة شريفة، أو هى فى زماننا طبيعة الرجال الرياضيين، لا يسجل لأحدهم الفوز فى مباراة ما، إلا إذا خضعت لقوانين اللعب، واطمأن إليهم ضمير الحكم، ومن ثم رفض "على" النصر القريب حول مواقع المياه، لأن عناصر الغلب الشريف لم تتوفر فى هذه المبارزة أو لأن قوانين النزال لم تراع فى هذه المباراة، وإذا كان خصومه قد انتهكوها فإن ذلك لا يبيح له انتهاكها!.
पृष्ठ 157