الخلائق، يحشر سكان القارات الخمس على مر القرون، يحشرهم فى صعيد واحد، ثم يكشف الغطاء عن عيونهم، وإذا هم يتبينون فداحة جهلهم بالله الكبير المتعال، ويتبينون شناعة خصامهم لإمام رسله..!! وهنا يموج بعضهم فى بعض، ويضطربون فى حيرة مفزعة لا يرجى منها خلاص، وتتحرك جموعهم إلى كل نبى سمعوا باسمه فى العالم الذى انتهى، يناشدونه أن يسأل الله لهم الرحمة، ولكن النبيين كلهم يرفضون التصدى لهذا المطلب، ويعود أهل القارات الخمس متراكضين إلى الرجل الذى طالما قيل لهم أنه كذاب! إنهم يحسون الآن عن يقين أنهم أخطأوا فى حقه، وأنهم يوم صدوا عنه كانوا يخسرون أنفسهم وأهليهم!!!. الشفاعة العظمى- فى نظرى- موقف يحاكم فيه التاريخ البشرى كله، ليعترف أن انصرافه عن الإسلام كان مشاقة لله، وعداء لأحب أوليائه، وأصدق دعاته... وما أعجب أن تجد الإنسانية نفسها فى حرج يوشك أن يقضى عليها، ثم تعلم فجأة أن التنفيس عن كرباتها ربما تم باللجوء إلى الرجل الذى عاشت دهورا، وهى تروى عنه الأكاذيب وتنسب إليه الأساطير... والتجاء أهل الأرض إلى محمد صلى الله عليه وسلم فى تلك الساعة العصيبة، ولجوءه إلى الله يطلب مغفرته للعبيد الأغرار، ذلك- فى ظنى- هو المقام المحمود. المقام الذى نسأله لمحمد صلى الله عليه وسلم عقب كل أذان يتردد صداه فى مهاب الريح، فيستجيب له قوم، وينصرف عنه آخرون "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذى وعدته ". قلت: إن محمدا فى عالم العقائد والحقائق شمس نفاحة ، لكن العميان كثير. وقد مكث هذا الرسول النبيل يصدع بأمر الله، وينقذ الناس من أهوائهم ومظالمهم، ثم ذهب إلى الرفيق الأعلى تاركا فينا تراثه الجليل من كتاب وسنة... فليتعلم الدعاة من حياة سيد الدعاة أن أجر الحق المبذول لا يعجل فى الدنيا، وأن للمقام المحمود موعدا فى غير هذه الدار، يتعلق به وحده الدعاة الأبرار. ص _070
पृष्ठ 70