ففرقع محمد عفت بأصابعه وقال في سرور: برافو .. برافو! .. إنه أصلب من سعد زغلول نفسه، من كان يرى الملك الجبار مريضا باكيا ثم يصمد أمامه بهذه الشجاعة النادرة ويردد في ثبات صوت الأمة التي أولته زعامتها قائلا: «دستور سنة 1923 أولا».
وهكذا عاد الدستور، فمن كان يتصور ذلك؟
فقال إبراهيم الفار وهو يهز رأسه في عجب: تصوروا هذا المنظر، الملك فؤاد وقد حطمه المرض والشيخوخة، يضع يده على كتف مصطفى النحاس في مودة بالغة! ثم يدعوه إلى تأليف وزارة ائتلافية، فلا يتأثر النحاس لذلك كله. ولا ينسى واجبه كزعيم أمين، يغفل لحظة واحدة عن الدستور الذي توشك الدموع الملكية أن تغطي عليه، لا يتأثر لشيء من هذا ويقول بشجاعة وصلابة: دستور سنة 1923 أولا يا مولاي.
علي عبد الرحيم محاكيا نفس اللهجة: أو الخازوق أولا يا مولاي!
أحمد عبد الجواد ضاحكا: قسما بمن جرت مقاديره بأن نرى الويسكي بيننا ونتجنبه إنه لموقف عظيم!
وشرب محمد عفت بقية كأسه ثم قال: نحن في عام 1935، ثماني سنوات مرت على موت سعد، وخمسة عشر عاما منذ الثورة، ولا يزال الإنجليز في كل مكان، في الثكنات والبوليس والجيش وشتى الوزارات، الامتيازات الأجنبية التي تجعل من كل ابن لبؤة سيدا مهابا ما زالت قائمة، ينبغي أن تنتهي هذه الحال المؤسفة .. - ولا تنس الجلادين أمثال إسماعيل صدقي ومحمد محمود والإبراشي! - إذا ذهب الإنجليز فلن يبقى لأحد من هؤلاء شأن، ستصبح الانقلابات في خبر كان .. - نعم، وإذا فكر الملك أن يلعب بذيله فلن يجد من يسانده!
وعاد محمد عفت يقول: سيجد الملك نفسه بين اثنتين؛ فإما احترام الدستور وإما السلام عليكم!
فتساءل إبراهيم الفار فيما يشبه الشك: وهل يتخلى عنه الإنجليز إذا طلب حمايتهم؟ - إذا سلم الإنجليز بالجلاء فلماذا يحمون الملك؟
فتساءل الفار مرة أخرى: وهل يسلم الإنجليز بالجلاء حقا؟!
فقال محمد عفت في ثقة من يعتز بثقافته السياسية: لقد دهمونا بتصريح هور فكانت المظاهرات، وكان الشهداء رحمة الله عليهم، ثم كانت الدعوة إلى الائتلاف، ثم عاد دستور سنة 1923، أؤكد لكم أن الإنجليز راغبون الآن في المفاوضة، حقا إن الإنسان لا يدري كيف تنكشف هذه الغمة، كيف يمكن أن يذهب الإنجليز أو ينتهي نفوذ الخواجات، ولكن ثقتنا في مصطفى النحاس لا نهاية لها .. - ثلاثة وخمسون عاما من الاحتلال تنتهي بشوية كلام حول مائدة؟! - كلام قد سبق بدم زكي مسفوح .. - ولو! ..
अज्ञात पृष्ठ