فقالت سوسن حماد باهتمام: ما أجمله من شعار، خاصة في هذا الوقت الذي أطبق فيه الظلام على العالم!
وأدرك أحمد ما يعنيه قولها فاستجابت نفسه سريعا - وفي حماس وسرور - للجو المحيط به وقال: الظلام يطبق على العالم حقا، ولكن ما دام هتلر لم يهجم على بريطانيا فثمة أمل في النجاة.
فقالت سوسن حماد: إني أنظر إلى الموقف من زاوية أخرى، ألا ترى أن هتلر لو هاجم بريطانيا فمن المحتمل أن يهلكا معا أو في الأقل أن ينتقل مركز القوة إلى روسيا؟ .. - وإذا حدث العكس؟ أعني أن يجتاح هتلر الجزيرة ويبلغ ذروة القوة؟! ..
فقال يوسف الجميل: كان نابليون كهتلر غازي أوروبا ولكن روسيا كانت مقبرته.
ووجد أحمد نشاطا وحماسا لم يشعر بمثلهما من قبل. هذا الهواء النقي، وهؤلاء الزملاء الأحرار، وهذه الزميلة المستنيرة الحسناء. ولداع أو لآخر ذكر علوية صبري، وعام العذاب الذي صارع فيه الحب الخائب حتى صرعه. حين كان يصبح ويمسي وهو يلعن الحب من صميم قلبه حتى تطاير في الهواء تاركا في أعماق النفس آثارا من الامتعاض والتمرد لا تزول. إنها الآن في بيتها في المعادي تنتظر زوجا ذا خمسين جنيها شهريا على الأقل، أما هذه الفتاة التي تدعو بالنصر لروسيا فماذا تنتظر يا ترى؟
وإذا بسوسن تلوح برزمة أوراق في وجهه وهي تقول برقة: تسمح؟ ..
فنهض، ثم مضى إلى مكتبها باسما ليبدأ عمله الجديد ..
34
لم يكن يوسف الجميل يمر بالمجلة إلا يوما في الأسبوع أو يومين إذ كان جل نشاطه موجها للإعلانات والاشتراكات، كذلك إبراهيم رزق لم يمكث في السكرتارية أكثر من ساعة ثم يدور على بقية المجالات التي يعمل بها، فكان أكثر الوقت يمضي وهما منفردان، أحمد وسوسن. ومرة جاء رئيس عمال المطبعة؛ ليأخذ بعض الأصول فما راعه إلا أن يسمعها وهي تدعوه «أبي»! وعلم بعد ذلك أن ثمة صلة قربى تربط الأستاذ عدلي كريم نفسه برئيس عمال المطبعة. كان ذلك مفاجئا ومثيرا. وراعه أكثر من سوسن مثابرتها على العمل، كانت محور التحرير ومركز نشاطه، بيد أنها كانت تعمل أكثر مما يستوجبه تحرير المجلة، فما تزال تقرأ أو تكتب. وبدت جادة حادة شديدة الذكاء، وشعر من أول الأمر بقوة شخصيتها، حتى كان يخيل إليه بعض الأحيان - رغم عينيها السوداوين الجذابتين وجسمها الأنثوي اللطيف - أنه حيال رجل قوى الإرادة حسن التنظيم. ثم تأثر بنشاطها فثابر على عمله بهمة لا تعرف الكلل أو الملل. وقد أخذ على عاتقه ترجمة المختارات من مجلات العالم الثقافية، إلى ترجمة بعض المقالات ذات الشأن. وقد قال لها يوما: إن الرقابة تقف لنا بالمرصاد ..
فقالت بصوت يدل على الحنق والازدراء: أنت لم تر شيئا بعد، مجلتنا «مشبوهة» في الدوائر العليا! ولها الشرف!
अज्ञात पृष्ठ