فقال زميل موضحا: يعني أنه شيوعي!
فرفعت السيدة حاجبيها باسمة، أما مستر فورستر فقال بلهجة ذات معنى: لم أقل أنا ذلك، ولكنه زميله الذي قال!
ثم نهض الأستاذ وهو يقول: آن وقت الشاي، يجب ألا يسرقنا الوقت، وسوف نجد بعد ذلك متسعا للسمر واللهو ..
وكان عمال جروبي قد أعدوا المائدة ووقفوا متأهبين للخدمة .. وتوسطت لادي فورستر جانب المائدة الذي جلس إليه الفتيات، على حين توسط الأستاذ الجانب الآخر، وهو يقول معلقا على نظام الجلوس: كنا نود أن تكون الجلسة أكثر اختلاطا، ولكننا راعينا الآداب الشرقية، أليس كذلك؟
فأجابه طالب بلا تردد: للأسف هذا ما لاحظناه يا سيدي!
وصب الخادم الشاي واللبن وبدأت المأدبة. لاحظ أحمد اختلاسا أن علوية صبري كانت أبرع زميلاتها ممارسة لآداب المائدة وأقلهن ارتباكا ، بدت آلفة للحياة الاجتماعية، كأنها في بيتها، وشعر بأن ملاحظة تناولها للحلوى ألذ من الحلوى نفسها. هذه صديقته العزيزة التي تبادله الصداقة والمودة دون أن تشجعه على عبور حدودهما، وقال لنفسه: إن لم أنتهز فرصة اليوم المتاحة فسلام علي؟ وعلا صوت لادي فورستر وهي تقول: أرجو ألا تؤثر قيود الحرب في تناولكم للحلوى ..
فعلق طالب على قولها قائلا: من المصادفات السعيدة أن الرقابة لم تفرض على الشاي بعد!
ومال مستر فورستر على أذن أحمد - وكان يجلس إلى يساره - وسأله: كيف تمضي العطلة؟ أعني ماذا تقرأ؟ - كثيرا في الاقتصاد وقليلا في السياسة، وأكتب بعض المقالات في المجلات. - أنصحك بأن تقدم في الماجستير بعد الليسانس.
فقال أحمد بعد الانتهاء مما في فيه: ربما فيما بعد، سأبدأ بالعمل في الصحافة، هذه خطتي من قديم. - حسن!
الصديقة العزيزة تحادث لادي فورستر بطلاقة، ما أسرع ما أتقنت الإنجليزية، والورود والأزهار تنضح بالحمرة والألوان كما ينضح القلب بالحب، في عالم الحرية يزدهر الحب كالأزهار، الحب لا يكون عاطفة صحيحة طبيعية إلا في بلد شيوعي. وقال مستر فورستر: من المؤسف أنني لم أستكمل دراستي للغة العربية، كنت أود أن أقرأ مجنون ليلى دون مساعدة أحد منكم! - المؤسف أنك ستنقطع عن دراستها .. - إلا إذا سمحت الظروف فيما بعد .. «ربما وجدت نفسك مضطرا إلى تعلم الألمانية، ألا يكون مضحكا لو شهدت لندن مظاهرات تطالب بالجلاء وتهتف له؟ في أخلاق الإنجليز الشخصية فتنة، أما فتنة الصديقة العزيزة فمن نوع لا مثيل له، عما قليل تغيب الشمس فيجمعنا الليل في مكان واحد لأول مرة، وإذا لم أنتهز فرصة اليوم المتاحة فسلام علي!» وسأل أستاذه: وماذا أنت فاعل عقب وصولك إلى لندن؟ - دعيت للعمل في الإذاعة. - إذن لن ينقطع عنا صوتك. «مجاملة تغتفر في هذا المجلس الذي تزينه صديقتي، إننا لا نسمع هنا إلا الإذاعة الألمانية، شعبنا يحب الألمان ولو على سبيل الكراهية للإنجليز، والاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية، اجتماعنا بأستاذنا يخلق موقفا جديرا بالتأمل، نبرره بالروح العلمية ولكن ثمة ارتطام بين حبنا لأستاذنا وبغضنا لجنسه، والمأمول أن تقضي الحرب على النازية والاستعمار معا، هنالك أخلص للحب وحده.»
अज्ञात पृष्ठ