كانت القيصرية تعتبر رمز الظلم والرجعية، ولذلك اغتبط العالم لأنباء سقوط القيصرية، وفي 6 أبريل سنة 1917؛ أي: بعد ثورة مارس بقليل دخلت الولايات المتحدة الحرب ضد ألمانيا، وأعرب الرئيس ولسون في رسالته إلى الكونجرس الأمريكي في تلك المناسبة عن اغتباطه لنجاح الشعب الروسي في تحقيق الحرية بعد صراع طويل، ووصف روسيا بأنها «زميل عن جدارة في رابطة الشرفاء».
وبعد فترة لم تتجاوز ثمانية أشهر من ثورة الشعب على القيصرية استولى أنصار لينين بطريقة محكمة منظمة على السلطان، وانتهت أحلام الحرية الجميلة بحرب الطبقات وحكم الحزب الواحد.
وهناك أسباب كثيرة يرجع إليها فشل كيرينسكي وزملائه في الحكومة المؤقتة ومنهم الأحرار ومنهم الاشتراكيون المعتدلون، وقد حاولوا جميعا وقف زحف لينين إلى الحكم، ومن أول هذه الأسباب أن طريقة الحكم القيصرية حرمت الشعب الروسي من نعمة تذوق تجربة الحكم الذاتي، ومن إرساء قواعد الحرية التي تنشأ عن مباشرة هذا الحكم عمليا، ومنعت الأوتوقراطية المتعلمين الروس من النشاط السياسي؛ ولذلك اعتنق عدد كبير من هؤلاء المتعلمين الاشتراكية اليوتوبية، وآمنوا بالتعاون الاختياري الذي لم يلمسوه في حياتهم الواقعية.
كانت الهوة شاسعة بين الإقطاعيين ورجال الصناعة من ناحية، وبين العمال والفلاحين من الناحية الأخرى في روسيا، أما الطبقة الوسطى بين هاتين الطائفتين فلم تكن كبيرة بحيث يكون لها أثرها في كفالة الاستقرار والاعتدال، وكان من العسير حل مشكلة إحساس صاحب الأرض بحقه في التملك، وإحساس الفلاح الفقير بحاجته إلى مزيد من الأرض، ولم يكن حل هذه المشكلة بالانتخاب العام الحر السري أمرا ممكنا، وكانت هناك عقبة كبرى تعترض طريق المؤسسات السياسية الحرة؛ وهي الجهل والأمية المتفشيان في مناطق القوقاز وغيرها من المناطق المهملة المتخلفة.
ولعل أخطر ما تعرضت له الديموقراطية الوليدة التي كانت الحكومة المؤقتة تحاول أن تنميها هي الحرب التي كانت دائرة آنذاك، وحاولت روسيا التغلب على عقبة التخلف وعقبة التسلح بأن عبأت الجيوش، ولكن تفوق الألمان في القوة أنزل بروسيا خسائر فادحة في الممتلكات والجنود.
وخابت آمال بعض المراقبين الغربيين في أن يؤدي سقوط القيصرية إلى مزيد من الجهد الحربي، فقد أحس الجنود بغريزتهم أن اليد القوية المنظمة قد تراخت بعد خلع القيصر، وهم إلى ذلك لم يكونوا يفهمون أسباب الحرب؛ ومن ثم أصغوا إلى المهيمنين الذين قالوا لهم: إن هذه الحرب من صنع الرأسماليين، وإنهم يجب أن يعودوا إلى بلادهم ليشتركوا في تقاسم الأرض.
ولقد تجلت عبقرية فلاديمير اليتش لينين - زعيم المتطرفين في الحزب الاشتراكي الديموقراطي - وبراعته الاستراتيجية في استغلال تذمر الشعب والتمهيد لإسقاط الحكومة المؤقتة، وكانت مهمته يسيرة؛ فقد تحول البندول من جانب الطغيان إلى جانب الفوضى، فلم يصغ الشعب إلى نداءات الحكومة المؤقتة وأوامرها، وكانت هذه الحكومة تنقصها القوة التي تكفل لأوامرها الاحترام.
وتولى لينين الحكم فغمره أربع موجات كبرى من موجات التفكك، أما الموجة الأولى فهي مطالبة الجنود بإقرار السلام، والثانية مطالبة الفلاحين بالأرض، والثالثة مطالبة القوميات غير الروسية بالاستقلال أو الحكم الذاتي، والرابعة مطالبة العمال بالسيطرة على المصانع.
صورة قديمة تجمع بين لينين (في الوسط) وإلى يمينه ستالين وإلى يساره كالينين.
واستطاع البلشفيك في هذا الجو من الفوضى والتفكك أن يسقطوا الحكومة المؤقتة، ويعلنوا روسيا جمهورية سوفييتية يوم 7 نوفمبر سنة 1917، وقام لينين وتروتسكي في هذا برسم الخطوات الرئيسية للثورة، واستعان البلشفيك بالعناصر الثورية من العمال والجنود.
अज्ञात पृष्ठ