روسيا وستالين
ستالين
الخاتمة
مصادر ومراجع استعان بها المؤلف
روسيا وستالين
ستالين
الخاتمة
مصادر ومراجع استعان بها المؤلف
ستالين
ستالين
अज्ञात पृष्ठ
تأليف
فرج جبران
روسيا وستالين
يصدر هذا الكتاب في الوقت الذي تحتفل فيه روسيا بمرور 40 عاما على مولد الثورة الاشتراكية، وهي الثورة التي اعتبرت من أعظم الأحداث العالمية في هذا العصر.
وقد اقترن الاحتفال بعيد هذه الثورة بظاهرة عجيبة تدعو للتساؤل؛ وهي اختفاء اسم بطل من أبطال هذه الثورة، بل لعله أعظم بطل من أبطالها بعد لينين الذي بشر بها، وحمل رسالتها في الأعوام الأولى.
حتى صور هذا البطل لم تظهر في عيد الثورة كما كانت تظهر من قبل في الأعياد السابقة، وسمح للناس بأن يروا صورة لينين فقط.
هذا البطل الذي اختفى اسمه، واختفت صورته في عيد الثورة هو ... ستالين!
ولكن ستالين مع ذلك وهو في ضريحه إلى جانب ضريح لينين، ما زال يفرض اسمه، ويفرض رسمه، ويفرض سياسته ...
ولا شك أن ستالين يستحق الدراسة إذا كان قد نجح في فرض اسمه وفرض سياسته، دون أن يسعى إلى ذلك، سواء في الحياة أو بعد الموت؛ إذا كان في وسع أحد أن يفرض نفسه بعد الموت ...
والواقع أن ما كتب عن ستالين يعتبر ضئيلا جدا بالنسبة لما كتب عن لينين، أو عن تروتسكي وهو الزعيم الثاني الذي كان مرشحا لخلافة لينين ... وقد كان هو بطبيعته ميالا للعزلة، والإقلال من الكلام أو التحدث عن نفسه، كما أن الكتاب والمؤلفين والصحفيين لم يسعوا إلى مقابلته إلا بعد أن تركزت عليه الأنظار خلال الحرب العالمية الثانية؛ نظرا لأهمية الدور الذي قامت به بلاده في تلك الحرب، وما ساهمت به في سبيل القضاء على الفاشية تحت قيادته القوية الحازمة ...
अज्ञात पृष्ठ
وفي حياة ستالين مراحل هامة لا في حياة روسيا وحدها، بل في حياة العالم كله؛ ومنها:
دوره في الثورة الاشتراكية، والتمهيد لها بمختلف الوسائل السرية والثورية.
دوره بعد نجاح الثورة في عام 1917، وتألق نجمه في دوائر الحزب الشيوعي.
دوره كحاكم روسيا المطلق بعد لينين، وتحويلها من دولة زراعية إلى دولة صناعية كبرى.
دوره في الحرب العالمية الثانية، ومساهمته مع حلفائه في الحرب في هزيمة الفاشية.
دوره كناشر للمذهب الشيوعي في العالم.
وقد بلغ ستالين حد الذروة من النجاح في معظم هذه الأدوار ...
ومع ذلك فيجب أن نعترف أن هناك حلقات كثيرة ما زالت غامضة في حياة ستالين، وقد تظل غامضة إلى الأبد ... إلا أن قصة مغامرات ستالين في شبابه، ودوره في الثورة والحرب الأهلية، ثم عبادته للينين، ثم صراعه مع تروتسكي على السلطة، ثم انتصاره الكامل على جميع منافسيه في الحزب الشيوعي، كل ذلك يجعل من ستالين شخصية ممتازة جديرة بالدراسة. ... وقد تكون هناك صفات سوداء في تاريخ حياته، ولكن شخصيته تتسامى في صفحات أخرى حتى لتجعل منه رجلا لا يقل عظمة عن لينين!
فرج جبران
ستالين
अज्ञात पृष्ठ
(1) الثورة الأولى
كتبت «ليديا لامبير» في كتابها الشيق عن أول شاعر روسي تغنى بالحرية وهو بوشكين، كتبت تصف حالة روسيا في عام 1825 تقول:
كانت المظالم والعبودية تصرخ في وجهه ... فقد كان هناك رجال «يملكون» رجالا غيرهم، وكان في وسعهم أن يعرضوهم للبيع «بالجملة أو بالقطاعي»، فيفرقون بين الولد وأمه، وبين الزوجة وزوجها، وكان في وسعك أن تقتل العبد، فلم تكن هذه جريمة، وإنما كانت «خسارة» فقط ... فقد كانت هذه الأرواح ثروة لصاحبها.
كل هذا حدث بعد مونتسيكو وفولتير وروسو ... بل بعد شيللر الذي كان يعتقد أن المجتمع قد بلغ أقصى درجات الكمال، كل هذا حدث بعد الثورة الفرنسية ... كان كل فرد يشعر بأن من المحال أن تستمر هذه الحال؛ لأنها بالية، آثمة.
وقد كان من الجنون أن يفكر أحد في مهاجمة الأوتوقراطية والعبودية، وهما الركنان الصنوان اللذان كانت تقوم عليهما إمبراطورية القياصرة، ولكن منذ سقط الباستيل، آمن الناس بأنه ليس ثمة نظام في العالم يمكن أن ييأس القوم من القضاء عليه.
وكان هذا النظام القائم في روسيا قد أكله الدود ... وعلى الرغم من نشاط البوليس الذي انتشر في كل مكان، فإنه لم يمكن انتزاع مبادئ الحرية التي كانت تعتبر جريمة موجهة ضد الدولة، حتى الجيش كان قد «تلوث» بهذه المبادئ.
ورابطت فصيلة من الحرس في تسارسكو سيلو، وكان فتيان الكلية يقفزون من فوق السور ويعقدون الصداقات مع الفرسان ... وكان بوشكين واحدا من هؤلاء الفتيان، فقد كان يحب الشمبانيا والنكت، وتناول وجبات الطعام في جو من الأخوة، ودخان التبغ، والمناقشات الحامية حول: الله، والحب، وسياسة مترنيخ ... وآخر عشيقة حظيت برضاء القيصر ... كان الفرسان يختلفون عن غيرهم من المغرورين الفخورين المسرفين ... فلقد كانوا من الضباط الشبان الذين صلصلت سيوفهم المنتصرة في جوانب باريس، ثم عادوا إلى بلادهم ورءوسهم لا تكاد تستقر على أكتافهم لفرط ما استنشقوا من نسيم الحرية ... كان بينهم «شاديف»، الجندي الفيلسوف الماسوني، الذي كان في جمال ووداعة «ملاك» هبط إلى الأرض ... وكان في وسعه أن يستمتع بالجانب الحسن من الحياة، إلا أنه فضل على ذلك الجوانب الفلسفية.
وكان بينهم «كافرين»، ابن الحظ الذي كان يشرب ويغني ويعبث؛ إذ كان جميلا، مرحا غنيا نبيلا، وكان بينهم «رافسكي»، الذي يبلغ من العمر ستة عشر عاما - مثل بوشكين - وكان والده الجنرال رافسكي هو الذي قاده بيده إلى المعركة ضد نابليون في عام 1812.
وكانت الحياة في تسارسكو سيلو واتصالها بالبلاد لا تبعث على احترام القيصرية ... فلم يكن القيصر سوى منافق متوج، يحيط نفسه بعجائز النساء والكهنة والرجعيين، وكانت الصلاة لله واستغفال عباد الله يسيران عنده جنبا إلى جنب ... فلقد استغفل الجميع: زوجته، وحلفاءه، ورعاياه، ونابليون.
ستالين أو الرجل الصلب!
अज्ञात पृष्ठ
كانت طبقة الأرقاء تكد في العمل في الأرض، وتسير وراء المحراث الخشبي، أما طبقة الأشراف فكانت ترقص وتتشدق بالحديث باللغة الفرنسية، وتقرأ مؤلفات جان جاك روسو، وكانت السيدات يرفعن أصابعهن الصغيرة وهن يتحدثن عن الحب الأفلاطوني، وعن حقوق العاطفة، ولكن لو سرقت الخادم من إحداهن منديلا، فإنها - أي: الخادم - كانت تتعرض لعشرين جلدة من سوط جلدي يغمس في الصمغ. •••
وكانت المعارضة في كل مكان ... كان السخط يعم الجميع: العبيد، والجنود الذين كان الواحد منهم يقضي خمسة وعشرين عاما في الثكنات، والتجار الذين كانوا يعانون من آثار الأزمة الاقتصادية، والنبلاء الذين كانوا يبيعون خبزهم بخسارة، والصناع الذين كانوا لا يجدون رأس المال لتنمية صناعاتهم ... ولكن هذا السخط العام الذي كان يمكن أن يولد الثورة لم يولد شيئا سوى الشعور المر. لم تكن المعارضة منظمة، ولم يكن لها قائد. وكانت جماعة «اتحاد الفضيلة» ضعيفة، غير منظمة، منقسمة على نفسها: كان القسم الجنوبي يتكون من اليعقوبيين، الذين كانوا يريدون جمهورية ديمقراطية تقوم على أساس المساواة، أما القسم الشمالي فكان لا يطلب أكثر من إلغاء الرقيق وإقامة ملكية دستورية. وعلى كاهل هذا القسم الشمالي المتخاذل الضعيف وقع عبء قيادة الثورة، وأدرك المتآمرون أن اللحظة مواتية؛ فإن العرش كان خاليا منذ ثلاثة أسابيع، وكان نيكولاس مكروها بسبب آرائه الرجعية، ولذلك لم يكن في موقف يحسد عليه ... وكانت إثارة الجيش أيسر السبل ما دام قد أقسم يمين الولاء لقسطنطين ... فإنه إن عاد ليقسم يمين الولاء لنيكولاس فسيبدو هذا نوعا من الحنث بالقسم.
ولكنها كانت حفنة من صغار الضباط فقط، تخرجوا جميعا في الكلية الإمبراطورية بتسارسكو سيلو، ولا يمكن أن يدعي أحدهم أنه يملك قياد فرقة بأكملها، وكان أحسن من فيهم من الحالمين، وأسوؤهم من المتفاخرين المتبجحين، ولكن أكبر مواضع ضعفهم هو أنهم كانوا من الثوار الذين يخافون الثورة، وكان شعارهم هو شعار الطغاة الأذكياء: لأجل الشعب، ولكن بغير الشعب. فقد كانوا يشككون إلى حد ما في الشعب.
ففي فجر يوم 14 ديسمبر من عام 1825 غادر سبعمائة جندي من حامية موسكو ثكناتهم وهم يحملون أعلامهم، وكان يقودهم ضابطان ممن اشتركوا في المؤامرة، وساروا إلى ميدان مجلس الشيوخ، حيث كانوا على موعد مع الفرق الثائرة الأخرى؛ لكي يمنعوا مجلس الشيوخ من أن يقسم يمين الولاء، ثم يسير الجميع إلى القصر الملكي ليجبروا نيكولاس على التنازل عن العرش، ويحصلوا على دستور حر، على أن يعقب ذلك إلغاء الرقيق.
ولكنهم وجدوا الميدان خاليا، فلا بوليس، ولا جنود، ولا حلفاء ولا أعداء، ووجدوا نوافذ مجلس الشيوخ حالكة الظلام ... فقد أقسم الأعضاء يمين الولاء في الليل، وهكذا فشل أول بند في البرنامج.
وقاد الضباط رجالهم حتى أصبحوا يواجهون المباني التي تحيط بالميدان، وأخذوا ينتظرون في البرد ... وكانت الريح تعصف بأعلامهم، كما تجمدت أقدامهم، ومن وقت لآخر كان الضباط يأمرون رجالهم بأن يصيحوا: «فليسقط نيكولاس ... فليحي قسطنطين ... فليحي الدستور.»
وبدأ الميدان يمتلئ بالناس الذين كانوا يعطفون على المتمردين، والذين أخذوا يرددون بعض صيحات التشجيع.
ووصل قواد الثورة، ولما رأوا أن عدد الجنود غير كاف انصرفوا للبحث عن إمدادات أخرى، ولم يعد بعضهم بعد ذلك لا عن جبن، وإنما عن يأس. وبدا كأن كل شيء قد ضاع ... مع أنه لم يكن قد بدأ بعد.
وبعد ساعات وصلت فرقة أخرى من المشاة وانضمت إلى الثوار، ووصل بعد ذلك رجال البحرية، وقد تمكن من كسبهم للثورة اثنان من الضباط.
وفي نفس الوقت قرر نيكولاس أن يحشد جميع القوات التي ظلت موالية له، ثم طوق بها الثوار تطويقا كاملا، وكان الطرفان ينتظران أوامر لا ترد إليهم، وكان كل فريق يتساءل: هل يطلق النار على زملائه؟ فقد كان جنود القيصر لا يشعرون بأية كراهية نحو الثوار الذين كانوا يرتدون نفس الزي الرسمي الذي يرتدونه هم ... وكان الثوار كبيري الأمل في أن تنضم الفرق الموالية للقيصر إليهم ... كما كان نيكولاس كبير الأمل في أن يعرض الثوار التسليم. ولكنه أحس في النهاية أن عدم الحركة يعرض الموقف للخطر؛ فقد كان من الواضح أن حشود الأهالي تزداد تأييدا للمتمردين، وأخذ العمال الذين كانوا يقومون ببناء كاتدرائية «سان جيمس» يلقون قوالب الطوب وقطع الأخشاب على الفرق الموالية للقيصر.
अज्ञात पृष्ठ
وحرضوه على أن يقضي على الفتنة، فصاح: «أطلقوا النار»، ولكن أحدا لم يجبه، وقفز أحد الضباط إلى الأرض، ثم أسرع إلى المدفعي وسأله: «لماذا لا تطلق النار؟» فأجاب الجندي وهو يبكي: إنهم إخواننا يا صاحب السعادة!
وصفعه الضابط، ثم أوقد الشعلة، وأطلق النار، ولكنه كان قد صوب إلى هدف عال، فانطلقت القنبلة لتصيب نوافذ الطابق الثاني من مجلس الشيوخ ... على أن تصويب الطلقة الثانية كان أفضل من الأولى، فقد انقسمت صفوف الثوار وأخذوا في الهرب.
إنهم لم يكونوا على استعداد لقنابل المدفعية، فتفرقوا إلى كل اتجاه، وتجمع أغلبهم على أرصفة نهر النيفا الذي تجمدت مياهه، وحاولوا عبوره، وتساقطت القنابل حولهم، فأخذت تكسر الثلوج وتذيبها ... وغرق كثيرون منهم.
وهكذا قضي على أول ثورة روسية. (2) ثورة أكتوبر 1917 (وانقضى ما يقرب من قرن من الزمان ...)
منذ أربعين عاما انهارت القيصرية في روسيا فجأة بعد أن ظلت صخرة عاتية من الحكم المطلق استعصت على كافة قوى التحرر التي نشأت في أوروبا الغربية، وقبل سقوط القيصرية بقليل شهدت روسيا حركة تمثلت في مظاهرات تجوب الشوارع، ثم انقلبت إلى ثورة ناجحة حين رفضت حامية بتروجراد عاصمة روسيا آنئذ إطلاق النار على المتظاهرين، بل وانضموا إليهم.
وكانت هذه الثورة من الأهمية بمكان لم يسبقها إليه غيرها من الثورات التي عرفها التاريخ، ولم تبذل فيها البلشفيك - كما كان الشيوعيون يسمون أنفسهم آنذاك - أي جهد ولا تدبير.
أما زعماؤهم فإن لينين - وهو أشهرهم - كان إذ ذاك في زيوريخ، وكان تروتسكي صحفيا مغمورا يكتب مقالات بأجر بخس لصحيفة روسية كانت تصدر في نيويورك، وكان ستالين منفيا في سيبيريا، وكان البلشفيك أقلية ضئيلة في سوفييت (مجلس) مندوبي العمال، الذي أصبح هيئة قوية صاحبة سلطان بعد سقوط القيصرية.
وبعد سقوط القيصرية كان هناك اتفاق على أمر واحد؛ وهو أن روسيا يجب أن تتحرر، ونشأت حكومة مؤقتة، برنامجها ما يلي:
العفو الشامل عن الجرائم السياسية والدينية، وحرية القول، وحرية الصحافة والاجتماع والإضراب وتأليف النقابات، وإلغاء كل تفرقة بسبب الدين أو القومية، والإعداد لتشغيل جمعية تأسيسية بالاقتراع السري العام المباشر تضع الدستور وتشكل الحكومة.
كان هذا بمثابة مشروع لإقرار الديموقراطية، ولم يكن في وسع الشيوعيين أن يضيفوا شيئا إلى هذه الضمانات والحريات المدنية.
अज्ञात पृष्ठ
كانت القيصرية تعتبر رمز الظلم والرجعية، ولذلك اغتبط العالم لأنباء سقوط القيصرية، وفي 6 أبريل سنة 1917؛ أي: بعد ثورة مارس بقليل دخلت الولايات المتحدة الحرب ضد ألمانيا، وأعرب الرئيس ولسون في رسالته إلى الكونجرس الأمريكي في تلك المناسبة عن اغتباطه لنجاح الشعب الروسي في تحقيق الحرية بعد صراع طويل، ووصف روسيا بأنها «زميل عن جدارة في رابطة الشرفاء».
وبعد فترة لم تتجاوز ثمانية أشهر من ثورة الشعب على القيصرية استولى أنصار لينين بطريقة محكمة منظمة على السلطان، وانتهت أحلام الحرية الجميلة بحرب الطبقات وحكم الحزب الواحد.
وهناك أسباب كثيرة يرجع إليها فشل كيرينسكي وزملائه في الحكومة المؤقتة ومنهم الأحرار ومنهم الاشتراكيون المعتدلون، وقد حاولوا جميعا وقف زحف لينين إلى الحكم، ومن أول هذه الأسباب أن طريقة الحكم القيصرية حرمت الشعب الروسي من نعمة تذوق تجربة الحكم الذاتي، ومن إرساء قواعد الحرية التي تنشأ عن مباشرة هذا الحكم عمليا، ومنعت الأوتوقراطية المتعلمين الروس من النشاط السياسي؛ ولذلك اعتنق عدد كبير من هؤلاء المتعلمين الاشتراكية اليوتوبية، وآمنوا بالتعاون الاختياري الذي لم يلمسوه في حياتهم الواقعية.
كانت الهوة شاسعة بين الإقطاعيين ورجال الصناعة من ناحية، وبين العمال والفلاحين من الناحية الأخرى في روسيا، أما الطبقة الوسطى بين هاتين الطائفتين فلم تكن كبيرة بحيث يكون لها أثرها في كفالة الاستقرار والاعتدال، وكان من العسير حل مشكلة إحساس صاحب الأرض بحقه في التملك، وإحساس الفلاح الفقير بحاجته إلى مزيد من الأرض، ولم يكن حل هذه المشكلة بالانتخاب العام الحر السري أمرا ممكنا، وكانت هناك عقبة كبرى تعترض طريق المؤسسات السياسية الحرة؛ وهي الجهل والأمية المتفشيان في مناطق القوقاز وغيرها من المناطق المهملة المتخلفة.
ولعل أخطر ما تعرضت له الديموقراطية الوليدة التي كانت الحكومة المؤقتة تحاول أن تنميها هي الحرب التي كانت دائرة آنذاك، وحاولت روسيا التغلب على عقبة التخلف وعقبة التسلح بأن عبأت الجيوش، ولكن تفوق الألمان في القوة أنزل بروسيا خسائر فادحة في الممتلكات والجنود.
وخابت آمال بعض المراقبين الغربيين في أن يؤدي سقوط القيصرية إلى مزيد من الجهد الحربي، فقد أحس الجنود بغريزتهم أن اليد القوية المنظمة قد تراخت بعد خلع القيصر، وهم إلى ذلك لم يكونوا يفهمون أسباب الحرب؛ ومن ثم أصغوا إلى المهيمنين الذين قالوا لهم: إن هذه الحرب من صنع الرأسماليين، وإنهم يجب أن يعودوا إلى بلادهم ليشتركوا في تقاسم الأرض.
ولقد تجلت عبقرية فلاديمير اليتش لينين - زعيم المتطرفين في الحزب الاشتراكي الديموقراطي - وبراعته الاستراتيجية في استغلال تذمر الشعب والتمهيد لإسقاط الحكومة المؤقتة، وكانت مهمته يسيرة؛ فقد تحول البندول من جانب الطغيان إلى جانب الفوضى، فلم يصغ الشعب إلى نداءات الحكومة المؤقتة وأوامرها، وكانت هذه الحكومة تنقصها القوة التي تكفل لأوامرها الاحترام.
وتولى لينين الحكم فغمره أربع موجات كبرى من موجات التفكك، أما الموجة الأولى فهي مطالبة الجنود بإقرار السلام، والثانية مطالبة الفلاحين بالأرض، والثالثة مطالبة القوميات غير الروسية بالاستقلال أو الحكم الذاتي، والرابعة مطالبة العمال بالسيطرة على المصانع.
صورة قديمة تجمع بين لينين (في الوسط) وإلى يمينه ستالين وإلى يساره كالينين.
واستطاع البلشفيك في هذا الجو من الفوضى والتفكك أن يسقطوا الحكومة المؤقتة، ويعلنوا روسيا جمهورية سوفييتية يوم 7 نوفمبر سنة 1917، وقام لينين وتروتسكي في هذا برسم الخطوات الرئيسية للثورة، واستعان البلشفيك بالعناصر الثورية من العمال والجنود.
अज्ञात पृष्ठ
وبعد لينين جاء ستالين الذي حكم روسيا من عام 1924 إلى 1953، فسيطر طوال هذه المدة على سياسة الكرملين، وتحكم في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وبذلك اتسع له الزمن كما لم يتسع لزعيم أو حاكم غيره لكي يوطد دعائم النظام الجديد في روسيا، ويعمل على نشر المبادئ الشيوعية في أماكن أخرى من العالم.
وإذا كان لينين هو الرسول الذي بشر في روسيا بالدين الجديد، فإن ستالين هو الذي حمل لواء الجهاد الحقيقي لنشر هذا الدين لا في روسيا وحدها، وإنما في خارجها أيضا.
وقد يكون قارئ هذا الكتاب من المعجبين بستالين، وقد يكون ممن يكرهون اسمه، لا شخصه فقط، ولكن هناك شيئا واحدا مؤكدا - كما يقول ديل كارنيجي - وهو أنك لا تستطيع أن تتجاهل ستالين، ولا تستطيع أن تنكر الدور الذي لعبه في تاريخ روسيا، ولا تستطيع أن تنكر عليه إخلاصه طوال حياته لهدف واحد لم يتحول عنه قط، وإن أنكرت عليه الوسائل التي استعملها في سبيل تحقيق هذا الهدف!
ولا يستطيع إنسان أن ينكر أن ستالين كان في يوم من الأيام أقوى رجل في العالم، ولا يستطيع أحد كذلك أن ينكر الدور الهام الذي لعبه في الحرب العالمية الثانية، وما ساهمت به بلاده في سبيل انتصار الديمقراطية على الفاشية. (3) الإله الذي أنكروه
أطلقوا عليه في حياته أسماء كثيرة لا شك أنها ترفعه إلى مقام الآلهة أو الأنبياء؛ فقد قالوا عنه: إنه «أحب البشر»، وإنه «المعلم والأب الحكيم».
ووصفه البعض فقالوا: إنه «أمل العالم ونوره وضميره»، وإنه «مجد كل من ولد بقلب أمين».
وفي السنوات الأخيرة من حياته قلت الإشارة إلى اسمه «ستالين»، اكتفاء بكلمة الرفيق وحدها كما كانت العادة من قبل، وأصبح لزاما أن يضاف إليها كلمة «العظيم»، وأطنبوا في ذلك فقالوا: إنه «شعلة البشرية التقدمية وأملها»، وإنه «صانع الحياة السعيدة»، و«صاحب القلب الحنون»، و«النسر الكبير الذي يعلم النسور الصغيرة كيف تطير».
ولم يقصر الشعراء والأدباء من جانبهم في ذلك الموكب؛ فقال أحدهم: إن الحروف التي يتكون منها اسم ستالين وهي: «س، ت، ا، ل، ي، ن» لا بد لها أن تزهو وتفاخر بين الحروف الأبجدية الأخرى بوصفها الحروف التي تكون منها اسم الزعيم الأكبر!
وقال كاتب آخر: إن صوت ستالين لا يقل تأثيرا في النفوس عن النبيذ المعتق الذي تنتجه سفوح التلال الجنوبية!
وقال شاعر آخر: إن البلابل عندما تغرد فإنها تقول له: «لك المجد! لك المجد أيها البستاني العظيم!»
अज्ञात पृष्ठ
وسارعت الصحف بدورها لتقدم له هي الأخرى تحيتها، فأطلقت عليه صحيفة الحياة الاقتصادية اسم «شباب الأرض»، ولاحظت أزفستيا أن ستالين يشبه «الربيع البللوري»، وقارنته صحيفة الجبهة الاقتصادية بالحكيم سقراط الفيلسوف اليوناني، وقالت: إنه «عبقري الفكر ... بل إنه أعظم المفكرين حقا ...»
ووصفه أحد كبار أعضاء مجمع العلوم الروسي (الأكاديمي) بأنه: «أعظم زعيم للعلم في جميع العصور وجميع الدول.»
وكانت الخطب التي تلقى في مختلف المناسبات حتى الفنية تمتلئ بعبارات الإطراء والمديح التي كانت تقابل من الجماهير المستمعة بالهتاف الطويل والتصفيق المتواصل، وكثيرا ما كان الخطيب يقول وهو يخاطب ستالين: «سلام عليك !» أو: «إننا لنتمنى سنوات عديدة من السعادة لزعيمنا الحكيم وحبيبنا الأوحد الرفيق ستالين.»
وفي عام 1949 عندما كان ستالين يحتفل بعيد ميلاده، وكان قد بلغ السبعين من عمره، خطب رئيس الاتحاد السوفييتي الأعلى فقال: إن ستالين «أعظم قائد عسكري ظهر في جميع العصور وفي جميع البقاع!»
كما قال مولوتوف في نفس هذه المناسبة: «إن ستالين هو الذي قاد بلادنا إلى النصر.»
وجاء في رسالة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ومجلس وزراء اتحاد الجمهوريات السوفييتية التي رفعت إليه عندما بلغ السبعين من عمره:
إن كل الأجيال المقبلة سوف تمجد اسمك.
وإن قلوب ملايين العمال في جميع أنحاء العالم لتمتلئ بالحب الخالص لك، يا سيد العلم العظيم، ومهندس الشيوعية الأكبر.
معلمنا ومرشدنا وأحسن أصدقائنا.
وقال راديو موسكو وهو يصف ستالين في إحدى المناسبات: «إنه الرجل الذي لا نهاية له ... إنه يشبه النور وأمواج المحيط.»
अज्ञात पृष्ठ
وقال كاتب روسي يصف ستالين: «إنه كالشمس ... يبدو عاليا مضيئا قويا ... والحرارة التي تنبعث من أشعته تفيض دفئا على شعوب العالم.»
ولكن كاتبا روسيا آخر هو الكساي تولستوي لم يعجبه هذا الوصف فقال: «إن ستالين أكثر من الشمس ... لأن الشمس لا حكمة لديها.»
وكانت صورته ترى في كل مكان، وكان هناك مصنع في روسيا لا عمل له إلا إنتاج تماثيل من الجبس لستالين لكي توزع على جميع الجهات.
وهكذا كان وجه ستالين يطل على التلاميذ في كل فصل من فصول المدرسة، وعلى العمال في كل مصنع، وعلى الموظفين في كل مصلحة، بل وفي معظم المنازل.
وعند مدخل القناة التي تصل بين نهري الفولجا والدون أقيم تمثال ضخم من النحاس لستالين، وكان وزنه يبلغ نحو 35 طنا ... وفي محطة «مترو» موسكو الذي يسير تحت الأرض أقيم لستالين تمثال آخر من المرمر الملون، وفوق جبال البرز في القوقاز، وهي ترتفع 18468 قدما فوق سطح البحر، أقيم تمثال آخر لستالين نقشت عليه هذه العبارة:
فوق أعلى قمة في أوروبا أقمنا تمثالا لأعظم رجل في هذا العصر.
وتضاءلت عظمة لينين أمام عظمة ستالين؛ فإن اسم لينين لم يطلق على مدينة إلا بعد موته، ولكن اسم ستالين أطلق مدة حياته على مدن كثيرة منها: ستالينجراد، وستالين آباد، وستالينيز، وستاليني، وستالينيكا، وستالينوجورسك، وأطلق اسم «ستالينسك» على مدينتين، واسم «ستالينسكويا» على مدينتين آخريين، كما أطلق اسم «ستالينسكي» على ثلاث مدن روسية، وأطلق اسم «ستالينو» على أربع مدن ...
وليس من السهل حصر عدد الشوارع والمزارع الجماعية والمتاجر والسفن والجسور التي أطلق عليها اسم ستالين في جميع أنحاء روسيا.
وكانت الجهود تبذل دائما لتصوير ستالين أكبر مما هو في الحقيقة، بل ولإبرازه في شكل يخالف شكل البشر العاديين حتى يؤمن الناس أنه إن لم يكن إلها صغيرا، فإنه - على الأقل - مخلوق ممتاز ...
فقد وصف راديو موسكو يوما في إحدى إذاعاته خواطر تلميذ صغير وهو يمر أمام الكرملين ويفكر في ستالين فيقول: عندما يغيب الضوء سيذهب «هو» - أي: ستالين - إلى فراشه، فهل يا ترى ينام هو كما ينام سائر الناس؟
अज्ञात पृष्ठ
وفي كل مرة تشرق الشمس على موسكو ... يخيل لي أنه هو الذي يحرك مفتاحا في يده فيضيء النور ...
وفي ذات يوم سمع في إذاعة لراديو براغ في تشيكوسلوفاكيا وصف لستالين جاء فيه: «أنت اسم آخر للخلود!»
ولكن ستالين مات في يوم من الأيام كما يموت سائر البشر، وعرف الناس في روسيا أن الخلود لله وحده، وصدر بلاغ رسمي من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ومجلس الوزراء ينعي ستالين للشعب، وقال الزعماء الذين نعوه في عبارات باكية: «إن أعظم القلوب الإنسانية قد نبض نبضته الأخيرة فلا حراك له بعد اليوم.» «لقد توقف قلب القائد والمعلم الحكيم عن الخفقان.» «ولكن اسم ستالين الخالد العزيز علينا سيعيش دائما، وسيظل حيا إلى الأبد في قلوب الشعب السوفييتي وجميع الشعوب التقدمية.»
وبكى مولوتوف وهو يودع ستالين الوداع الأخير وقال: «كلها بالأفكار العظيمة ستظل لنا نبراسا حيا.»
وقال مالنكوف وهو يتنهد: «وداعا أيها الصديق المحبوب! ...»
أما طاقات الزهر التي أرسلت لتوضع على نعشه فلم يكن من السهل حصرها هي الأخرى، شأنها في ذلك شأن الدموع الحارة التي أذرفت حزنا عليه يوم موته ... •••
ولكن لم تمض سنوات ثلاث على وفاة ستالين حتى فوجئت روسيا، بل فوجئ العالم كله، بعملية تحطيم عجيبة تجري بكل همة ونشاط في روسيا للقضاء على سمعة الإله الذي دفن منذ ثلاث سنوات.
وبدأ الناس يسمعون، وهم في ذهول، أن «أمل العالم ونوره وضميره» الذي تعود مئات الملايين من البشر أن يحترموه ويبجلوه بوصفه «مجد كل من ولد بقلب أمين»، قد أعيد تقدير قيمته بمعرفة زملائه السابقين، وأنه أصبح اليوم في نظرهم شخصا عابثا، جاهلا، جبانا، قاسيا، شريرا، مستبدا، مجنونا ... متوحشا!
ورأى الناس، وهم في ذهول، أن الذين بكوا وانتحبوا يوم وفاة ستالين وقالوا: إن أعظم القلوب الإنسانية قد نبض نبضته الأخيرة، رآهم وهم يهيلون التراب على صورة الرجل العظيم، الأب الحكيم الخالد، القائد، الأمل، نور الضمير العالمي، صاحب أعظم العبقريات الحربية التي تمخضت عنها جميع العصور!
إنهم لم يهيلوا التراب في صمت، بل تحدثوا وتحدثوا كثيرا، وقالوا: إن الإله الذي عبدوه مع بني وطنهم قد أنزل بالبلاد أضرارا عظيمة ...
अज्ञात पृष्ठ
وإذا كان الأمر كذلك، أفلا يكون ضروريا أن نرى إلى أي ذروة من ذرى التأليه ارتفع ستالين على أيدي نفس الزملاء والشركاء الذين أخذوا يهيلون عليه التراب بعد ثلاث سنوات فقط من موته؟ وما هي العوامل التي ساعدته على ارتفاعه؟ (4) زعيم الشيوعية
كان ستالين أقوى حاكم مطلق في الأزمان الحديثة، كان أعظم ديكتاتور في عهده؛ لأنه كان يحكم 200 مليون من الشعب الروسي، كما كان يتحكم في مصير 600 مليون نسمة من الشعوب الأخرى التي يضمها الاتحاد السوفييتي والدول التي تدور في فلك روسيا ...
وإذا كان العالم كله يدرك اليوم مدى السلطة التي كان يتمتع بها ستالين في عهده، إلا أن الطرق التي توصل بها إلا الاستئثار بجميع هذه السلطة في يده، والاحتفاظ بها خلال السنوات الطويلة التي امتد إليها حكمه، هذه الطرق والأساليب قد نسيها الناس أو تناسوها ... كما أن جهاز الرقابة الذي أحاط به ستالين عهده كان خير معوان على طمس الحقائق وإخفائها حتى باسم التاريخ بما يتفق مع اتجاهات الشيوعية وأهدافها البعيدة.
مراحل مختلفة في حياة ستالين
ستالين (6 سنوات).
ستالين عام 1910 ... في «فيش» البوليس.
ستالين (لص البنوك!)
ستالين (في عام الثورة).
ستالين في ريعان الشباب.
ستالين (إلى اليسار) وبجانبه كالينين على ضريح لينين.
अज्ञात पृष्ठ
ولكن لما مات ستالين وأصبح ملكا للتاريخ، بدأ الباحثون والعلماء والكتاب يتناولونه من نواحيه المختلفة، ويتناولون عهده وما أحدثه من آثار عميقة في تاريخ روسيا، أو تاريخ أوروبا وآسيا ... بل تاريخ العالم كله.
وجاء خروشيشيف بعد ذلك فألقى خطابه السري المشهور في المؤتمر العشرين للحزب، في ليلة 24-25 فبراير من عام 1956، وفضح عدة مسائل كانت مستورة، كما نشر عدة صفحات أخرى كانت مطوية، وكان ذلك بعد وفاة ستالين بثلاث سنوات فقط.
ولا شك أن المتتبع للثورة الروسية يمكن أن يرجع بجذورها إلى أول القرن التاسع عشر، والناظر إلى وجه ستالين وهو لا يزال في ريعان الصبا يمكن أن يلمح فيه شابا تملؤه الفتوة، وتدفعه الجرأة، عندما كان أحد محترفي الثورة ... إنه لا شك شديد الاختلاف عن ذلك الصبي الذي زجت به أمه إلى المدرسة الإكليريكية وهي ترجو أن يكون يوما من بين رجال الدين!
لقد كان الرجال الذين يمهدون للثورة الروسية - وستالين من بينهم - يعيشون في روسيا القيصرية مرموقين بنظرات البطولة؛ وذلك لما كانوا يتعرضون له من أخطار دائمة، ومؤامرات واسعة النطاق، تتهدد حياتهم وحرياتهم في كل وقت.
كان البوليس السري للقيصر يبحث عنهم ويتتبع حركاتهم حتى يزج بهم إلى أعماق السجون، أو يرسلهم إلى النفي في سيبيريا.
كانت الشعلة التي تلهمهم في ذلك الوقت هي المثالية الاشتراكية التي ابتدعها كارل ماركس وانجلز، وكان أحرار العالم جميعا يؤيدونهم في جهادهم، ويتمنون لهم ولبلادهم الخلاص من الحكم القيصري الظالم الطاغي.
ولكن ستالين كان يتميز بصفات لم تتوفر لغيره من الزملاء المجاهدين العاملين في نفس القضية ...
فقد كان أشد جرأة من معظم الثوار المحترفين.
وكانت أطماعه لا تقل عن أطماع أي واحد منهم إن لم تزد عنها ...
وكان أشدهم انتهازية، فقد رسم سياسته أولا على أساس السير في ركاب لينين، والانضواء تحت زعامته حتى تسنح له الفرصة للاستئثار بالسلطة لنفسه.
अज्ञात पृष्ठ
ومهما قيل في ستالين فإنه ليس من المبالغة في شيء أن يقال عنه: إنه كان من أعظم الذين أثروا في تاريخ البشرية في هذا القرن الذي نعيش به. ... والآن نبدأ قصة الرجل أو «الإله» من أولها. (5) ستالين بين الحقيقة ... والخيال
أي طراز من الرجال كان هذا ال «ستالين» الذي سيطر في وقت من الأوقات على مصير 200 مليون نسمة في الاتحاد السوفييتي، وأقدار عدة ملايين أخرى في الدول المجاورة التي انتشر فيها نظام روسيا، وكان كل تصريح سياسي له يبعث الأمل أو الخوف في قلوب مئات الملايين من سكان العالم؟
ومن المشكوك فيه أن يكون ثمة رجل، خلال حياته نفسها، قد لقي هذا الاختلاف الكثير في درجة التقدير كما حدث لستالين، فقد رآه مثلا أحد الكتاب فأبدى نفورا من شكله وهيئته وقال: إن وجهه يحمل آثار الإصابة بالجدري، وإن أسنانه رديئة المنظر. ورآه أحد سفراء أمريكا السابقين في الاتحاد السوفييتي فأطنب في وصف عينيه البنيتين الحانيتين اللطيفتين وقال: «إن الطفل ليحب أن يجلس على ركبتيه.»
ووصفه تشرشل عقب اجتماعهما الأول كحلفاء في الحرب بأنه رجل ذو شجاعة ومقدرة لا ينفدان وقال: «إن ستالين تركه وقد انطبعت في نفسه الحكمة الهادئة العميقة وزوال الوهم من أي نوع كان.»
ومن أظرف ما رواه تشرشل في مذكراته عن ستالين كيف أن سيد روسيا أقام مأدبة في أحد الاجتماعات،
1
ووقف أثناء المأدبة ورفع كأسه وشرب نخب ملك بريطانيا. ويقول تشرشل: إنه ولو أن ستالين شرب نخب ملك بريطانيا بطريقة ودية مهذبة إلا أنه قرن ذلك ببضع كلمات لم ترق لتشرشل؛ إذ قال ستالين وهو يرفع كأسه: إنه بوجه عام من خصوم الملكية، وإنه يقف دائما إلى جانب الشعب لا في صف الملوك أيا كان مسلكهم، ولكنه تعلم أثناء الحرب أن يحترم الشعب البريطاني الذي يمجد ملكه ويحترمه؛ ولذلك فإنه - أي: ستالين - يدعو الحاضرين ليشربوا نخب ملك بريطانيا!
وتضايق تشرشل من هذه الكلمات الصريحة وطلب من مولوتوف أن يرجو ستالين أن يكتم مشاعره بإزاء الملكية، واقترح للتخلص من هذه المواقف المحرجة أن يشرب المحتفلون نخب رؤساء الدول الثلاث
2
في وقت واحد، وبذلك لا يتسع المجال لإبداء تعليقات. وقبل ستالين الاقتراح وصار ذلك النهج تقليدا اتبع في الاجتماعات التالية.
अज्ञात पृष्ठ
وروى ولتر بيدل سميث - سفير أمريكا السابق في موسكو - أنه عرف يوما شيوعيا غير روسي يتملكه نوع من الرعب والخوف من ستالين، حتى إنه ليتحاشى ذكر اسمه في الأحاديث الخاصة، ويقول عنه هامسا إذا أراد الإشارة إليه: «الرجل ذو الشارب.»
ولا شك أن ستالين كان مكروها من كثيرين من زملائه في بدء تكوين الاتحاد السوفييتي، كما أنهم كانوا يخافونه، وقد لقي هؤلاء أحد مصيرين: فإما النفي، وإما الموت ... بل إن لينين نفسه - كما سترى - لم يكن شديد الاطمئنان لستالين ...
ويرجع هذا الاختلاف البين في تقدير ستالين إلى أن معظم الذين قابلوه وكتبوا عنه فعلوا ذلك من وجهة نظر معينة ...
والحقيقة أن قليلين جدا من الناس في العالم، بل وفي روسيا نفسها، قد عرفوا ستالين الحقيقي؛ فقد كان أقوى حاكم في العالم، وكان من أقل حكام العالم ألفة واختلاطا بالناس، فقد عاش بعد أن قبض على زمام السلطة منعزلا عن شعبه، كما انعزل عن الأجانب، وراء أسوار الكرملين التي كانت تفصله عنهم، ومن حوله حشد من رجال الجيش والبوليس تولى حراسته، وأحاط حياته الشخصية بسرية تامة.
وكان العالم الخارجي يجهل أين يقيم ستالين بالضبط إذا خرج من الكرملين، وكان بعض الناس يعتقدون أنه كان يملك منزلا ريفيا يقع في الجزء الشمالي الغربي من المدينة حيث يقيم رجال الحكومة الآخرون، وحيث يفرض البوليس رقابة دقيقة، ولكن لم يكن في استطاعة أحد أن يؤكد ذلك.
حتى حياته الشخصية نفسها أحيطت بالغموض؛ فإن الروس أنفسهم لا يعرفون إذا كان ستالين قد تزوج حقا بعد وفاة زوجته الثانية في عام 1932، رغم كل ما أشيع عن ذلك.
لقد كان «ستالين» في روسيا اسما ورمزا لرجل لا يراه الروس مطلقا حتى في تلك الاستعراضات الضخمة التي كان ستالين يقف فوق قمة قبر لينين ليشهدها وهي تمر في الميدان الأحمر ... حتى في تلك الاستعراضات كانت الجماهير لا تراه لبعد المسافة، كان المارة في الميدان يرونه عن بعد كما يرون شبحا من الأشباح.
ولم يشهده أحد سائرا في شوارع موسكو، كما أنه لم يزر إلا نادرا إن لم نقل إطلاقا مصنعا أو منجما أو مزرعة جماعية، وقيل: إنه قام في أثناء الحرب العالمية الثانية بعدة زيارات لجبهات القتال المتعددة، ولكن الذين رأوه في هذه الرحلات كانوا عبارة عن عدد قليل من الضباط الكبار أصحاب الرتب العالية، ولم يعلم أحد من الجنود بوجوده بينهم في الميدان.
ولم يسمع عنه أنه سهر ليلة في فندق سوفييتي، كما لم يعرف عنه أنه قام برحلة طويلة داخل بلاد الاتحاد السوفييتي ورآه فيها الناس. وكان أهم ظهور له في العيد الرياضي السنوي بملعب «الدينامو» الضخم في ضواحي موسكو.
ولم يكن بالخطيب المفوه، بل كان يلقي خطبه دائما في مستمعين محدودي العدد مثل مجلس السوفييت الأعلى أو اجتماع الحزب الشيوعي، ولم يعمد إلى إلقاء خطبه العامة في حشود تتكون من آلاف المستمعين كما كان يفعل غيره من الحكام في مختلف المناسبات؛ لكي ينشروا آراءهم وحججهم في موضوعات السياسة العليا على الشعب مباشرة.
अज्ञात पृष्ठ
ورغم هذه العزلة ... فقد كان ستالين موجودا في كل مكان من روسيا ... في كل قرية، وفي كل ضيعة ... في سدس سطح الكرة الأرضية، كان معبودا بكل معنى هذه الكلمة، وكانت صورته في كل مكتب سوفييتي، وفي كل حجرة من كل مدرسة، وفي كل فرع للحزب، وفي منزل كل أسرة ... وكان له تمثال مقام في كل متنزه، وفي محطات السكة الحديدية والمطارات، وفي كل مبنى عام؛ كالفنادق ومحطات «المترو» لا دور الحكومة فقط ... وكان الشعب الروسي كلما احتفل بعيد الثورة السنوي يوم 7 نوفمبر، وضعت له الصور الضخمة في كل مدينة، وكل قرية من قرى الاتحاد السوفييتي.
لقد ظل العالم الغربي وقتا طويلا وهو عاجز عن تعليل ذلك المديح البالغ الزائد عن حده الذي تغمر به روسيا ستالين؛ إذ كانت الملايين من أفراد الشعب الروسي تنظر إليه على أنه مزيج نصفه إله والنصف الآخر أب حنون، ومع ذلك فإن هذا الشعب لم يكن يعرف شيئا عن زعيمه إلا من الصور التي تنشر له، وقلما كانت الصورة تتغير إلا بعد أن تنقضي عليها أمام الناس عدة سنوات.
وقد حدث في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية أن نشرت للناس صورة جديدة لستالين، ظهر فيها شعره وقد وخطه الشيب، وما كادت مكتبات موسكو تلصق على نوافذها هذه الصورة الجديدة للإعلان عن بيعها حتى أحدثت هزة عميقة في نفوس الناس الذين احتشدوا أمام المكتبات التي عرضتها، وأخذوا يدققون فيها النظر وهم يلاحظون في دهشة أن ستالين هو الآخر قد أخذت السن تتقدم به ... لقد كانوا يعتقدون أن زعيمهم من طينة غير طينة البشر، وأن ما يحدث لغيره من البشر لا يمكن أن يحدث له هو مطلقا؛ لأنه ليس مثلهم، فلما فاجأتهم الصورة الجديدة أثارت دهشتهم وتساؤلهم وقلقهم!
ولم تكن أنباء نشاطه اليومي تنشر أبدا، ولا قائمة زواره الرسميين، إلا إذا كانت الزيارة في مناسبة يجب أن تذاع، كاستقبال سفير جديد أو سياسي أجنبي، أو إقامة مأدبة في الكرملين لمجموعة من الضيوف.
وكانت خطط تنقلات ستالين في داخل روسيا أو في خارجها يحتفظ بها في سرية تامة في وقت السلم كما في وقت الحرب. وكان قد اعتاد قضاء إجازاته في البحر الأسود، ولم يكن أحد يعرف ذلك، وإنما كان يستنتجه الديبلوماسيون الأجانب في موسكو إذا طلب أحدهم مقابلة ستالين فأجيب بأن المقابلة غير ممكنة بسبب عدم وجود ستالين في موسكو.
هذه صورة لستالين العظيم، في أوج عظمته، وبعد أن توطد ملكه وسلطانه في البلاد، ولكن فلنعد الآن إلى الوراء لنرى كيف وصل الزعيم إلى هذا المركز الممتاز بين أهل وطنه. (6) الأعوام الأولى
كان اسمه الرسمي جوزيف فيزاريونوفيتش دجوجا شفيلي، وقد ولد في مدينة جورى من أعمال جورجيا، في ديسمبر من عام 1879.
أما اسم ستالين الذي أطلق عليه فيما بعد فكان معناه: «رجل الصلب»؛ لأن كلمة «ستال» بالروسية معناها الصلب، وكان المقصود بهذا الاسم الدلالة على قوته.
أما والده فيزاريون دجوجا شفيلي فقد كان فلاحا، اشتغل بالصناعة تارة لحسابه الخاص، وتارة بالمصنع، وقد اشتغل بصناعة الأحذية، وتوفي الرجل في عام 1890.
أما والدة ستالين وكان اسمها كاترين، فقد كانت تعيش في تفليس، وظلت على قيد الحياة بعد وفاة زوجها بمدة طويلة، حتى لقد شهدت عظمة ابنها عندما صار سيد روسيا كلها ...
अज्ञात पृष्ठ
كان قد مات لها ولداها الأولان وهما في سن صغيرة، فلما جاء الثالث - وهو جوزيف - أخذت تدلله كما تدلل كل أم ابنها الأوحد، ومن جوزيف ابتدعت الأم اسما صغيرا لتدليل ابنها، وكان الاسم الذي وقع عليه اختيارها هو «صوصو». وقد ظلت كاترين تنادي ستالين باسم «صوصو» حتى بعد أن بلغ شأنا كبيرا في روسيا ... بل في العالم.
وكانت الأم تحلم بأن تجعل من ابنها قسيسا؛ ولذلك فإنها أودعته المدرسة الدينية في جورى التي لم تكن تزيد في حجمها عن حجم أي ضاحية لا يزيد عدد سكانها عن خمسة آلاف نسمة.
وتحدثت الأم عن ابنها يوما فقالت: «لقد كان دائما ولدا طيبا، لم يستلزم الأمر يوما ما أن أوقع عليه عقوبة، كان يستذكر دائما بعزم، ويقضي وقته إما في القراءة أو في الحديث، محاولا أن يفهم كل شيء، وقد التحق بالمدرسة وهو في سن الثامنة من عمره.»
وهذه هي أهم المعلومات الدقيقة المعروفة عن طفولته بغض النظر عما نشره فيما بعد كثيرون من زملائه وتلاميذه مما يجب أن يتناوله المؤرخ بمنتهى الحذر. •••
وكانت يقظة ستالين الثورية يقظة مبكرة؛ لأنها بدأت في 1894 في تلك المدرسة اللاهوتية التي ألحق بها في تيفليس، فقد ثار ضد «النظم القاسية والنظام الجزويتي» الذي كانت تسير عليه المدرسة الدينية، وفضل على تلك الدراسات الدينية أن يشترك في الاجتماعات العامة التي كانت تعقد في المدينة، كما أخذ يقرأ سرا مؤلفات فيكتور هيجو وداروين وكارل ماركس.
وفي عام 1899 غادر المدرسة اللاهوتية نهائيا لكي يصبح ثوريا محترفا، وفي هذا الوقت بالذات كان لينين قد دخل السجن لأول مرة.
وهكذا يمكن اعتبار أن حياته السياسية قد بدأت في عام 1898؛ إذ تكون في هذا العام الفرع الروسي للدولية الثانية، فانضم ستالين إلى شعبة تفليس لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي، وتحدث أحد الذين أرخوا له فوصف شكله وقال عنه: «الملامح، على وجهه ملامح الجرأة ... وكان يسير مرفوع الرأس! ...»
وفي عام 1926 خطب ستالين في مدينة تفليس، وتحدث عن نفسه فقال: لا أزال أذكر عام 1898 حين عرض علي عمال ورش السكك الحديدية رئاسة ناديهم، وقد مضى اليوم على ذلك 28 عاما، ولكنني لا أزال أذكر كيف كنت أجتمع في منزل الزميل ستوروا بدجبيلادزيه، وتشوريد شفيلي، وبوتشريد شفيلي، وغيرهم من العمال التقدميين ... وهناك كنت أتلقى دروسا عملية، ولو قارنت نفسي بهؤلاء لأدركت أنني كنت في ذلك الوقت صفرا من ناحية الشمال. •••
ربما كنت إذ ذاك أكثر علما من كثيرين من هؤلاء الزملاء، ولكنني كنت لا أزال حدثا في فنون الجهاد العملي ... وعلى يد هؤلاء صرت «صبيا» في فنون الثورة؛ إذ تتلمذت عليهم ... فأنتم ترون أن أساتذتي الأوائل كانوا عمال تفليس ... واسمحوا لي الآن أن أعبر لهم عن اعترافي بالجميل ... كزميل.
وأذكر بعد ذلك الأعوام التي انقضت من 1905 إلى 1907 حين ألقوا بي للعمل في «باكو» بأمر الحزب؛ فقد كان لهذه الأعوام التي قضيناها هناك في التمهيد للثورة أعظم الأثر في نفسي؛ إذ جعلت مني جنديا عمليا ومحركا ...
अज्ञात पृष्ठ
وهكذا تلقيت في باكو التعميد الثاني في نضالي الثوري، وهناك صرت عاملا من عمال الثورة، فاسمحوا لي أن أعبر لأساتذتي في باكو - أيضا - عن اعترافي بالجميل كزميل ...
وأخيرا أذكر عام 1917 ... عندما ألقي بي بأمر الحزب إلى ليننجراد ... فهناك وسط العمال الروس، وإلى جوار المعلم الأكبر الرفيق لينين، وفي خضم الزوبعة الكبرى التي أثارتها المعارك التي نشبت بين الرأسمالية وبين الطبقة العاملة وخلال الحرب العظمى ... بدأت أفهم للمرة الأولى معنى أن يصبح الشخص من قادة حزب العمال الأكبر! ...
وهكذا تتمثل حياة ستالين الثورية في أربع مراحل هامة:
الأولى:
مرحلة التلمذة في تفليس.
والثانية:
مرحلة العمل في باكو.
والثالثة:
مرحلة القيادة في ليننجراد.
وأما الرابعة:
अज्ञात पृष्ठ
فهي مرحلة الدكتاتورية المطلقة في موسكو.
ولقد كانت مرحلة الصبا في حياة ستالين هي مرحلة دولة في دور الغليان.
وكان قد حدث في عام 1825، وفي شهر ديسمبر على وجه التحديد، أن ثار جماعة من الضباط الأحرار من المتمسكين بالمثل العليا ضد القيصر نيقولا الأول، ولكنهم أخفقوا في ثورتهم ولم ينجحوا في قلب الحكومة، وإنما نجحوا في إيقاظ روسيا، وحركوا روح الأمل في إنقاذ هذه البلاد من ظلام العصور الوسطى الذي كانت لا تزال تعيش فيه تحت حكم القياصرة المتعسفين الظالمين.
ولذلك فإنه عندما تحركت فكرة الاشتراكية الماركسية وبدأت تنتشر في أوروبا وجدت لها عددا كبيرا من المتطوعين في روسيا. وفي عام 1898 نظم الماركسيون الشبان حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي، وبعد عامين أخذوا في إصدار جريدة سرية في ألمانيا أطلقوا عليها اسم إيسكرا (أي: الشرارة)، وكان من بين محرري هذه الجريدة فلاديمير إيليانوف لينين، وكان والده مدرسا.
وحدث في لندن عام 1903 أن انقسم الحزب على نفسه، فأطلق لينين على من بقي معه اسم البولشفيك (ومعناها الأغلبية)، كما أطلقوا على المنشقين اسم المنشفيك (أي: الأقلية.) ويمكن لمن يتتبع هذا الانقسام أن يجده حتى اليوم ماثلا في تلك الفروق التي تفصل ما بين الشيوعية الروسية والاشتراكية الغربية. (7) مرحلة الصبا (1898-1905)
وقد رأينا أن ستالين لا يريد أن يعتبر نفسه لا من رجال النظريات ولا من رجال العلم، إن ما يهمه هو الجهد «العملي»، وقد اعتنق الماركسية كما يعتنق المرء دينا جديدا، ولقد حدد غيره فلسفة هذا الدين الجديد، أما دوره هو فكان دور الجندي، دور المبشر المحجب في بادئ الأمر، ولكن المؤمن العنيد الذي لا يتراجع أمام أي عقبة من العقبات، وكان يستعين في نشر أفكاره بمكر الفلاحين.
والمعلومات قليلة عن ظروف حياته الأولى كمحترف للثورة بين عمال السكك الحديدية، وعمال مصانع التبغ، وعمال صناعة الأحذية، والوسائل التي كان يستعملها في التبشير بديانته الجديدة بلغة قريبة من لغتهم واشتراكية طائعة متساوية بين الجميع.
وكان البوليس يعترض طريقه أحيانا حتى ليجعل من العسير عليه أن يؤدي واجبه، ولكنه كان يحس أنه ملك للحزب وحده بكل ما تحمل هذه الجملة من معان، وكان يتوجه دون حذر ولا خور إلى أي مكان «يرميه» فيه الحزب على حد تعبيره هو.
وكان لينين قد كتب وقتئذ يقول:
يجب علينا أن نكون رجالا يخصصون للثورة لا أوقات فراغهم كل مساء فقط، بل كل حياتهم ...
अज्ञात पृष्ठ
وكان يجب على هؤلاء الرجال الذين يمهدون للانقلاب أن يعيشوا على حساب الحزب، وأن يستغنوا عن البحث عن أي عمل آخر، وأن يعيشوا أطول مدة ممكنة في نفس المدينة، وأن يعملوا في الظلام، مما كان يتطلب جرأة شديدة، وخاصة لشدة البوليس في ظل النظام القيصري.
واضطر دجوجا شفيلي
3
تضليلا للبوليس، أن يتخذ لنفسه عددا من الأسماء المستعارة، وأطلق عليه مرة بعد أخرى: دافيد وكوبا ونيجيرادزيه وتشيجيكوف وإيفانوفتش وستالين.
وفي عام 1900 لم يكن غريبا على المظاهرات التي وقعت في تفليس وأدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، وإلى حل اللجنة الاشتراكية الديمقراطية الخاصة بهذه المدينة.
وقال باربوس في كتابه «لمحة تاريخية عن البلشفيه» يصف هذه المرحلة من حياة ستالين: «دون أن ينطق بكلمة واحدة ثم يصغي إلى ما يقال، حتى حين الوقت لكي يتولى هو الكلام ...
وكان يصحبه دائما رفيقان أو ثلاثة، يقف واحد منهم عند الباب ليتولى الحراسة ...»
وفي عام 1901 سافر ستالين إلى باطوم، وكانت هي الباب الرئيسي لتجارة القوقاز؛ حيث كانت المنطقة غنية بالبترول عامرة بالناس، وخاصة أفراد الطبقة الوسطى. وحدث في عام 1902 بتأثيره هو أن هاجم المتظاهرون السجن، وكانوا جميعا لا يحملون سلاحا فسقط منهم عدد من القتلى.
وقبض على ستالين وعدد من المحرضين، وحجز في السجن نحو ثمانية عشر شهرا صدر بعدها الحكم ضده بالنفي الإداري إلى سيبريا لمدة ثلاث سنوات.
وهذه هي الأوصاف التي وردت في «تحقيق الشخصية» الخاصة به:
अज्ञात पृष्ठ