كانت طبقة الأرقاء تكد في العمل في الأرض، وتسير وراء المحراث الخشبي، أما طبقة الأشراف فكانت ترقص وتتشدق بالحديث باللغة الفرنسية، وتقرأ مؤلفات جان جاك روسو، وكانت السيدات يرفعن أصابعهن الصغيرة وهن يتحدثن عن الحب الأفلاطوني، وعن حقوق العاطفة، ولكن لو سرقت الخادم من إحداهن منديلا، فإنها - أي: الخادم - كانت تتعرض لعشرين جلدة من سوط جلدي يغمس في الصمغ. •••
وكانت المعارضة في كل مكان ... كان السخط يعم الجميع: العبيد، والجنود الذين كان الواحد منهم يقضي خمسة وعشرين عاما في الثكنات، والتجار الذين كانوا يعانون من آثار الأزمة الاقتصادية، والنبلاء الذين كانوا يبيعون خبزهم بخسارة، والصناع الذين كانوا لا يجدون رأس المال لتنمية صناعاتهم ... ولكن هذا السخط العام الذي كان يمكن أن يولد الثورة لم يولد شيئا سوى الشعور المر. لم تكن المعارضة منظمة، ولم يكن لها قائد. وكانت جماعة «اتحاد الفضيلة» ضعيفة، غير منظمة، منقسمة على نفسها: كان القسم الجنوبي يتكون من اليعقوبيين، الذين كانوا يريدون جمهورية ديمقراطية تقوم على أساس المساواة، أما القسم الشمالي فكان لا يطلب أكثر من إلغاء الرقيق وإقامة ملكية دستورية. وعلى كاهل هذا القسم الشمالي المتخاذل الضعيف وقع عبء قيادة الثورة، وأدرك المتآمرون أن اللحظة مواتية؛ فإن العرش كان خاليا منذ ثلاثة أسابيع، وكان نيكولاس مكروها بسبب آرائه الرجعية، ولذلك لم يكن في موقف يحسد عليه ... وكانت إثارة الجيش أيسر السبل ما دام قد أقسم يمين الولاء لقسطنطين ... فإنه إن عاد ليقسم يمين الولاء لنيكولاس فسيبدو هذا نوعا من الحنث بالقسم.
ولكنها كانت حفنة من صغار الضباط فقط، تخرجوا جميعا في الكلية الإمبراطورية بتسارسكو سيلو، ولا يمكن أن يدعي أحدهم أنه يملك قياد فرقة بأكملها، وكان أحسن من فيهم من الحالمين، وأسوؤهم من المتفاخرين المتبجحين، ولكن أكبر مواضع ضعفهم هو أنهم كانوا من الثوار الذين يخافون الثورة، وكان شعارهم هو شعار الطغاة الأذكياء: لأجل الشعب، ولكن بغير الشعب. فقد كانوا يشككون إلى حد ما في الشعب.
ففي فجر يوم 14 ديسمبر من عام 1825 غادر سبعمائة جندي من حامية موسكو ثكناتهم وهم يحملون أعلامهم، وكان يقودهم ضابطان ممن اشتركوا في المؤامرة، وساروا إلى ميدان مجلس الشيوخ، حيث كانوا على موعد مع الفرق الثائرة الأخرى؛ لكي يمنعوا مجلس الشيوخ من أن يقسم يمين الولاء، ثم يسير الجميع إلى القصر الملكي ليجبروا نيكولاس على التنازل عن العرش، ويحصلوا على دستور حر، على أن يعقب ذلك إلغاء الرقيق.
ولكنهم وجدوا الميدان خاليا، فلا بوليس، ولا جنود، ولا حلفاء ولا أعداء، ووجدوا نوافذ مجلس الشيوخ حالكة الظلام ... فقد أقسم الأعضاء يمين الولاء في الليل، وهكذا فشل أول بند في البرنامج.
وقاد الضباط رجالهم حتى أصبحوا يواجهون المباني التي تحيط بالميدان، وأخذوا ينتظرون في البرد ... وكانت الريح تعصف بأعلامهم، كما تجمدت أقدامهم، ومن وقت لآخر كان الضباط يأمرون رجالهم بأن يصيحوا: «فليسقط نيكولاس ... فليحي قسطنطين ... فليحي الدستور.»
وبدأ الميدان يمتلئ بالناس الذين كانوا يعطفون على المتمردين، والذين أخذوا يرددون بعض صيحات التشجيع.
ووصل قواد الثورة، ولما رأوا أن عدد الجنود غير كاف انصرفوا للبحث عن إمدادات أخرى، ولم يعد بعضهم بعد ذلك لا عن جبن، وإنما عن يأس. وبدا كأن كل شيء قد ضاع ... مع أنه لم يكن قد بدأ بعد.
وبعد ساعات وصلت فرقة أخرى من المشاة وانضمت إلى الثوار، ووصل بعد ذلك رجال البحرية، وقد تمكن من كسبهم للثورة اثنان من الضباط.
وفي نفس الوقت قرر نيكولاس أن يحشد جميع القوات التي ظلت موالية له، ثم طوق بها الثوار تطويقا كاملا، وكان الطرفان ينتظران أوامر لا ترد إليهم، وكان كل فريق يتساءل: هل يطلق النار على زملائه؟ فقد كان جنود القيصر لا يشعرون بأية كراهية نحو الثوار الذين كانوا يرتدون نفس الزي الرسمي الذي يرتدونه هم ... وكان الثوار كبيري الأمل في أن تنضم الفرق الموالية للقيصر إليهم ... كما كان نيكولاس كبير الأمل في أن يعرض الثوار التسليم. ولكنه أحس في النهاية أن عدم الحركة يعرض الموقف للخطر؛ فقد كان من الواضح أن حشود الأهالي تزداد تأييدا للمتمردين، وأخذ العمال الذين كانوا يقومون ببناء كاتدرائية «سان جيمس» يلقون قوالب الطوب وقطع الأخشاب على الفرق الموالية للقيصر.
अज्ञात पृष्ठ