ويبدو أن لينين قد كافح في الواقع ضد هذه النتيجة التي لم يكن منها بد، وقد تكون كتاباته المريرة التي حمل فيها على كاوتسكي قد أخفت شيئا من اضطراب الضمير الذي لم يزعج خليفته، ولكن القوى التي كان قد حركها لم تظهر في الحال؛ ولذلك وقع على كتفي ستالين التعبير «بخيانة الثورة» الذي طمعت في أيامه الماركسية بالتقاليد الآسيوية البيزنطية مع العودة إلى الأتوقراطية فيما بعد، وهو نوع الحكم الوحيد الذي عرفه الروس طول حياتهم.
على أنه من الصعب علينا أن نقول: إن لينين لو كان قد عاش لاضطر أن يفعل ما فعله ستالين؛ ذلك أن النظرية التي قامت على أساسها ثورة أكتوبر كانت مركبا من المثالية السياسية والواقعية السياسية، وما إن وجد الزعماء الجدد أنفسهم وقد واجههم الموقف الذي خلقوه هم أنفسهم حتى لم يكن مفر من أن ينتشر مبدأ الواقعية السياسية.
إلا أن هذا كان لا بد أن يتضمن تعديل الأساس الذي يقوم عليه المذهب، ومن ثم عرفت نظرية الثورة تعريفا جديدا، وحول الحزب إلى حزب استبدادي مركز يجمع السلطة كلها في يديه، وقلبت النظرية الكلاسيكية للدولة رأسا على عقب، ولو أن الخدمات ظلت تؤدى إليها في غير إخلاص، واتبعت سياسة زراعية كانت مخالفة لتعاليم ماركس وأنجلز، بل لتعاليم لينين نفسه وشجع نمو الشعور القومي.
وكانت سياسة «الاشتراكية في دولة واحدة» حافزا جديدا على حدوث التطورات، ولم يكن في هذه السياسة من بعض نواحيها ما يثير الخلاف؛ ذلك أن الجميع كانوا متفقين على وجوب قيام الاشتراكية في روسيا.
أما أهميتها فقد كانت فيما تضمنته وخاصة الأثر الذي يكون لتطبيقها على الثورة العالمية.
وقد ذكر ستالين في «أسس اللينينية» أن الحرب العالمية الأولى خلقت ظروفا مواتية لثورة الطبقة العاملة فجعلت هذه الثورة أمرا لا مناص منه؛ ذلك أن روسيا القيصرية كانت ذخيرة غير محددة للاستعمارية الغربية تزودها بميدان شاسع للاستثمار يتطلب جيوشا جرارة لحراسته.
ومن ثم فقد كانت روسيا «نقطة مركزية للثورة»؛ لأن متناقضات الرأسمالية كانت أوضح ما تكون فيها، ثم إنه استخدم «قانون التطور غير المتعادل» كأحد الدليلين الرئيسيين اللذين برر بهما مذهب «الاشتراكية في دولة واحدة» عندما نادى به في سنة 1924-1925؛ ذلك أنه زعم أنه يجعل الرأسمالية أكثر تعرضا للهجوم بإنشائها سلسلة من الدول التي لا تتساوى في الارتقاء، والتي يمكن دائما مهاجمتها في أضعف صلة من صلاتها.
ومن ثم أصبحت مناهضة الاستعمارية جزءا هاما من البرنامج الشيوعي، وكان موجها إلى توسيع الأساس الذي يقوم عليه وعي الطبقة العاملة، وفي الوقت نفسه إلى إضعاف النظام الرأسمالي بإثارة أو تأييد حركات التحرر التي تقوم بها الشعوب المتخلفة، وهي الشعوب التي كانت ضحية الاستغلال.
ولذلك أنشئت المنظمات التي لا عدد لها، والتي كانت تهز المشاعر الإنسانية تارة، أو تبذر بذور الخوف من الحرب تارة أخرى بزعمها أن الاستعمارية تسعى إليها.
ثم إن تعاليم لينين قوت الاعتقاد - ويبدو أنه لا يمكن استئصاله إلى الآن - بأن الاتحاد السوفييتي قد يصبح هو نفسه ضحية الاعتداء الاستعماري.
अज्ञात पृष्ठ