ولكن الآن وعندما أعلنت العقارب الذهبية الفخمة في الساحة الموجودة في بورج سباسكي السادسة، بدأ التغير يظهر، لقد بدأت تتدفق على المدينة من كل مكان أسراب من سيارات اللوري ... من شارع جوركي العريض، ومن تلال لوبيانكا، وعبر الكوبري الحجري الضخم فوق نهر الموسكوفا، من جميع الأطراف كانت أسراب سيارات اللوري تتدفق على الميادين الرئيسية في المدينة.
وعلى مقاعد هذه اللوريات الخضراء كان جنود البوليس السري في ملابسهم ذات اللونين الأزرق والأحمر يجلسون كل 22 في سيارة، إنها القوات الخاصة بوزارة الأمن الداخلي آتية من معسكراتها التي تقع قريبا من ضواحي موسكو، وظلت السيارات تتدفق بكثرة وتخترق شوارع المدينة حتى خيل إلي أول الأمر أنني إزاء «انقلاب»، فلما بدأت هذه القوات تأخذ مراكزها اتضحت الحقيقة لي.
إن ما أراه هو حركة من أذكى الحركات العسكرية التي رأيتها في حياتي، ومن أخطرها أيضا؛ ففي دقة عقارب الساعة بدأت قوات الأمن الداخلي تأخذ أماكنها في جميع الشوارع الرئيسية المؤدية إلى قلب المدينة، أما السيارات التابعة لها فقد كانت تقف بحيث تسد مداخل كل الشوارع الجانبية، وفي حلقات متتابعة كأنها متاريس تحكم إغلاق منافذ هذه الشوارع الجانبية تماما.
وعندما عدت في الساعة التاسعة صباحا إلى شارع جوركي بعد أن أرسلنا برقياتنا إلى الخارج بنبأ وفاة ستالين وجدت تغيرا آخر؛ فإلى جانب قوات الأمن المعسكرة عند النواصي بحيث تسيطر على الطرقات كلها ظهرت طوابير من الدبابات، وكنت أسمع صوت دبابات أخرى تزحف في الشوارع القريبة متجهة إلى قلب المدينة أيضا، كانت كل القوات والسيارات والدبابات تابعة لوزارة الأمن الداخلي.
لم تكن هناك كتيبة واحدة تابعة لقوات الجيش النظامي.
وأعترف بأن هذا كله لم يلفت نظري أول الأمر، ربما لأنني كثيرا ما رأيت قوات الأمن الداخلي تملأ الشوارع في خلال أيام الاحتفال؛ كيوم أول مايو ويوم 7 نوفمبر، وربما لأنني كثيرا ما رأيت المعسكرات الضخمة التي تقيم فيها هذه القوات على طول الطرق الزراعية المحيطة بموسكو، ولم أجد غرابة في أن تظهر قوات الأمن الداخلي في هذه المناسبة الخاصة؛ فمهمتها على أية حال هي المحافظة على الأمن والنظام خلال الساعات التي سوف يتم فيها نقل جثمان ستالين.
وبالرغم من أن قلة عدد السيارات والأوتوبيسات جعلتني أدرك أن بعض الطرق قد أغلقت بالفعل، إلا أنه كان ما يزال ممكنا أن أدخل الميدان الأحمر، وأن أسير فيه لأرى ما هنالك.
كان هناك حوالي ألفين من الناس قد تجمهروا عند بوابة سباسكي، في انتظار خروج جثمان ستالين، كانت هذه أول مرة أرى فيها تجمهرا ما في موسكو.
وبعد قليل دخلت بعض قوات الأمن الداخلي الميدان الأحمر، أغلقت الميدان أول الأمر حتى لا يدخل مزيد من الناس، ثم بدأت تجلي الناس المتجمهرين تدريجيا وتدفعهم من حول بوابة سباسكي إلى مدخل الميدان من ناحية متحف الثورة.
كان واضحا أن قوات الأمن لا تريد أن تخلي الميدان الأحمر وحده، بل والميادين المتصلة به أيضا: ميدان مانزيتي، وميدان الأوبرا، أي: تخلي قلب موسكو بأكمله، وقد اكتشفت بعد ذلك أن قوات الأمن الداخلي قد عزلت مدينة موسكو كلها أيضا.
अज्ञात पृष्ठ