138

स्पिनोजा

اسپينوزا

शैलियों

ومن جهة أخرى، فصحيح أن التعقل وفهم الأسباب خطوة كبرى نحو التخلص من مشاكلنا، ولكنه ليس هو الخطوة الأخيرة؛ فالفهم والمعرفة ليسا كافيين، بل إن في الاقتصار عليهما نوعا من السلبية، ومن الواجب أن تكملهما محاولة للتغيير الإيجابي للظروف الخارجية؛ محاولة تنتمي إلى ميدان «الفعل»، لا إلى ميدان العقل وحده.

ونستطيع أن نقول، رغم ذلك كله: إن تهمة السلبية لا تنطبق على فلسفة اسپينوزا الأخلاقية كل الانطباق؛ ففي هذه الفلسفة عناصر إيجابية لا تنكر؛ فهو يفترق عن كثير من المذاهب الداعية إلى قعر الانفعالات بالعقل في أن هذه الدعوة لم تكن قائمة عنده على أساس من الزهد، بل إنه يؤكد على نحو لا يتضمن أي لبس أن من واجب الإنسان أن يمارس كل عناصر طبيعته بقدر ما يستطيع. ولنلاحظ في هذا الصدد أن مبدأه الأساسي الذي فسر من خلاله كل مظاهر سلوك الإنسان، وهو مبدأ الاستمرار في الوجود، هو في ذاته مبدأ للفاعلية، بينما هو يعد كل ما يعوق فعل الإنسان شرا. وفضلا عن ذلك فقد أكد اسپينوزا أهمية سعي الإنسان إلى نفعه الخاص، ولم ينكر أي عنصر من عناصر الحياة الحسية أو يحمل عليه إلا إذا أصبحت له الغلبة على العقل، وهو أمر لا تنكره أية فلسفة مبنية على مبدأ الفاعلية المطلقة للإنسان. وأخيرا فقد أكد القيم الاجتماعية، كما رأينا من قبل، على نحو لا يقبل أي جدال، وربط بصورة واضحة بين إنهاض الإنسان لحياته وبين اتصاله الاجتماعي بالآخرين، وفي ذلك قطعا عنصر إيجابي واضح.

على أن هذا العنصر الإيجابي، الذي يتمثل في تأكيد القيم الاجتماعية، يظل مع ذلك - كما لاحظ «دودان

Daudin » - معتمدا على «البادرة الشخصية»

initiative personnelle ؛ ففي مذهبه، الذي تكون فيه الطبيعة سائدة في مجراها الحتمي غير عابثة بالإنسان أو مكترثة بأهدافه، لا يكون للأخلاق بأسرها أي معنى إلا من حيث تهيب بالبادرة الشخصية، التي يتضامن الناس على أساسها في المجتمع.

41

وبعبارة أخرى: فالتضامن الاجتماعي في هذه الحالة يتخذ قوته الدافعة من الفرد ذاته، ولا بد أن يبنى على نظام ذاتي فردي في آخر الأمر.

ومثل هذا النظام الذاتي، المستمد من وصول العقل البشري إلى أرفع مستوى يمكنه أن يبلغه، لا يتوافر إلا للقليلين. وهكذا يضطر المرء إلى الاعتراف بأن الأخلاق عند اسپينوزا تتجه إلى القلة لا إلى الكثرة، وأنه - رغم اعترافه الكامل بطبيعة الإنسان - يفرض للأخلاقية شروطا لا يصل إليها إلا القليلون.

وقد كانت هذه المشكلة موضوعا للسؤال الذي ختم به «سيلڨان زاك» كتابه عن «الأخلاق عند اسپينوزا»، وأعني به: هل كان مذهب اسپينوزا الأخلاقي ديمقراطيا أم أرستقراطيا؟ فهناك قطعا نزعة ديمقراطية تتمثل في حملته على السلطة الدينية، أيا كان مظهرها، وفي تأكيده أن قلب الإنسان وحده، لا أية سلطة خارجية، كفيل بأن يرشده إلى الطريق القويم، ولكن كانت هناك أيضا نزعة أرستقراطية واضحة، تظهر في تأكيده أن وسيلة الخلاص هي المعرفة العقلية، التي لا تتوافر إلا للقليلين.

42

अज्ञात पृष्ठ