ثم إن ابن حميد وهو محمد بن عثمان قد انتخب البعض جماعته وغزا بهم أرض عمان وقصد بلاد السر ولم يطلب من الإمام ولا الولاة الأمان، وأناخ بقرب بلدة الغبي، وكان واليها محمد بن سيف الحوقاني نعوذ بالله من سوء الأماني. وكان هناك سعيد بن خلفان وهو والي الإمام وخلاصة أهل شوكته بالتمام، وذروتهم الموفين بحفظ العهود والذمام، فطلب سعيد بن خلفان من ابن حميد المواجهة، وبعث رسله إليه قاصدا للمشافهة فتوجه ولم يطلب منه الأمان، وذلك مما قدر الله عليه قضاه الرحمن، فتوجهوا بالمسجد المبني على شريعة النبي من بلد السر، إذ لم يعلم غيب السماوات والأرض إلا الله العالم بالسر، فجرى بينهم الكلام في التجري على أمور الناس، وقتلهم ونهب أنعامهم وما عليهم من اللباس، فقال الشيخ سعيد بن خلفان لابن حميد وهو محمد بن عثمان، إما ترد ما كسبته ونهبته من العباد، فأعرض عنه بوجهه وتولى، وقال حاشا وكلا، وأبى عن الانقياد وغضب لذلك وتكبر، وعلا في نفسه هنالك وتجبر، لأنه من أهل العتو والعناد.
فأمر سعيد بن خلفان بأسره فأسر وأمر به بدخوله لحصن الغبي من بلاد السر، ثم أمر به أن يقيد بالحديد فقيد، وصار في العذاب الشديد.
ثم ركبوا الغبي يحثون السر على الكوم العتاق، آمين به لنحو قلعة الرستاق، فأرسل سعيد بن خلفان لمولانا الإمام مخبرا له بأحوال ابن حميد على التمام، فبعث له الإمام جوابا بأن يجعله في قلعة الرستاق، فأقام بها قريبا من خمسة أشهر باتفاق، وتوفي بحبسه ليلة السابع من الشهر ولله الدوام، وكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
وقال المعتصم بالله عبد الله بن خلفان بن قيصر شعرا:
( ومن الكامل ):
يقضي الفتى وطريقه العصيان =وسلوكه البطلان والخذلان
يسعى لتحصيل الأماني التي =فيها له الإذلالي والخسران
لم يستمع يوما لوعظ مواعظ =فكأنما قد صمت الآذان
पृष्ठ 41