فلم يزل ناصر بن قطن يغزوا من بلاد الأحساء إلى أرض عمان على الخيل الضمر والكوم السمان، وعنده من البادية من يستعده للضرب والطعان، والداعي لذلك أخذ الإبل منها والأموال، والسلب والنهب وسائر هذه الأحوال، فيأخذوا جميع ذلك ويرجعون إلى بلد الأحساء، وذلك لقسوة قلوبهم إذ هي كالحجارة أو أقسى، فما زالوا على هذا في كل سنة يغيرون لعمان، ويفعلون بها أفعالا لم يرضها الرحمن، فكتب مولانا الإمام لواليه محمد بن سيف الحوقاني أن يتجسس ويتفحص عن قدوم ذوي العدوان القاصي منهم والداني، حتى إذا علموا بقدومهم التقاهم بالجنود من دون عمان، ليكونوا من شرهم في حرز وأمان، فامتثل الوالي من الإمام وعزم لذلك على جمع الأقوام من الأماكن القاصية والدانية من أهل شوكته ومن الحضر ورجال البادية.
وإذ أقبل ناصر بن قطن على ما جرى من العادة، فتلقاه محمد بن سيف الحوقاني الوالي قبل أن يبلغ مراده، فصد عن جيش الإمام قاصدا للظفرة القاصية، ودخل حصنها بمن معه من البادية المعاصية، وعصبت له عصبة من قوم بني ياس، وهم ألوا الشدة والعزم والباس، وقل على المسلمين هنالك الزاد، وشق عليهم ذلك لبعد المسافة عن البلاد، فوجه الجبري ناصر بن قطن رسلة للوالي محمد بن سيف اللوذعي المصالي، ملتمسا منه الصلح على رد ما نهبوه، والغرم على ما أتلفوه، من الكسب واغتصبوه، فاصطلحوا على ذلك في الحال وعزم الوالي من الظفرة على الارتحال.
पृष्ठ 36