وحكي أن الصاحب قال له ليلة للحاضرين يذكر(1) كل واحد منكم أمنيته. فذكروا، قال: أما أمنيتي مجاراة الشريف أبي الحسين بن هارون وكان فارقه إلى أرض الديلم .
وحكي عن المؤيد بالله أنه قال: عزمت على أن أسافر إلى الأهواز للقاء قاضي القضاة أبي أحمد بن أبي علان وسماع مختصر الكرخي عنه، فأنهيت إلى الصاحب ماوقع في قلبي، فكتب كتابا بخط يده، وأطنب في وصفي، ورفع عن قدري، حتى كنت أستحيي من إيصال ذلك الكتاب، فأوصلت الكتاب إلى قاضي القضاة، فقال: مرحبا بالشريف، فإذا شاء افتتح المختصر ولم يزد على ذلك، ولا زارني بنفسه مع تقاعدي عنه من الغد، ولا أزارني أحدا من أصحابه، فعلمت أنه اعتقد في كتاب الصاحب أنه صدر عن عناية صادقة، لاعن حقيقة، فقعدت عنه حتى كان يوم الجمعة حضرت الجامع بعد الظهر، ومجلسه غاص بكبار العلماء، فقد كان الرجل مقصودا من الآفاق، فسئل القاضي أبو أحمد مسألة كلامية وكان لقي أبا هاشم، فقلت له لما توسط في الكلام: إن لي في هذا الوادي مسلكا. فقال: تكلم، فأخذت في الكلام، وحققت عليه المطالبات، ثم أوردت مسألة(2) عرقت فيها جبينه فامتدت الأعين نحوي، فقلت بعد أن ظهرت المسألة: عليه يقف على فضلي القاضي.
وسأل شيخ إلى جنبه عن مسألة من أصول الفقه، فلما أنهى السائل ما عنده قلت: إن لي في هذا الجو متنفسا. فقال القاضي: والأصول أيضا ! فحققت تلك المسألة على ذلك الشيخ، فظهر ضعفه، فسامحته.
وسأل شيخ عن يساره عن مسألة في الفقه، فقلت: لي في هذا القطيع شاة. فقالوا: والفقه أيضا! فأوفيت الكلام في تلك المسألة أيضا حتى تعجب الفقهاء من تحقيقي وتدقيقي.
فلما ظهرت المسألة كان المجلس قد انتهى إلي، فقام القاضي من صدره وجاء إلى جنبي، وقال: أيها السيد نحن ظننا أن الصدر حيث جلسنا فإذا الصدر حيث جلست، فجئناك نعتذر إليك من تقصيرنا في بابك.
पृष्ठ 12