عبد الحميد :
أجل هو الانتقام. أواه! أحس بسهام من النار تشق فؤادي، أحس بشيء يأكل من عيني، بل بشيء ملتهب ينقر في خدي. أواه! أحس بأصابع من حديد تضغط على عنقي. أواه! غرقت ... لله من البوسفور ... إني أختنق ... إني أموت ... (يقع مغشيا عليه.)
إكليل العار
ما ودع حين ولى، ولا أحد من رفاقه الجالسين حول منضدة مربعة بساطها أخضر رفع إليه نظرا أو فاه بكلمة دعاء أو عداء. نقف أحدهم المنضدة بأنامله والوجه منه أصفر من السهر والهم، فماثله الآخر، فرمى الثالث الورق من يده، وزاد كل منهم ما اجتمع في وسطها من حجارة العاج أو الأزلام السوداء والحمراء والبيضاء. أدير الورق واستؤنف اللعب، وأخذت الأزلام تنتقل من أطراف المنضدة إلى وسطها. «احترق» الثاني ولكنه ظل في كرسيه يراقب الجولة الأخيرة بين رفيقيه.
والسكوت سائد كأن غرفة القمار معبد أو بيت مهجور دخله اللصوص، تحسس كل من اللاعبين ورقه والعين منه جامدة غائرة واليد ترتجف، نظر كل منهما إلى صاحبه نظرات منكرات مختلسات فيها تفرس وفيها افتراس، وشرع كل منهما يضاعف أزلام الآخر حتى كاد ينفد ما بين يديه منها، غربل كل منهما حظه من الورق الذي بيده، فأسقط الأول ورقة، وأسقط الثاني ورقتين، وبينا هو يفعل ذلك حانت منه التفاتة، فخامره منها الريب، فاستشاط على الفور غيظا ونهض واقفا يهم بالخروج.
فسأله صاحبه: ما بالك؟
فأجاب وقد رمى الورق من يده: قد تواطأتم علي. - أنت مجنون. - أنت قليل الشرف. - احفظ أدبك؛ أنا - والله - لا أبيع شرفي بمال العالم. - بعته الليلة بعشرين دولارا. عيب عليك. - من كان مثلك لا يستحق أن يلعب مع الناس. - من كان مثلك أنت ...
وانحنى فوق المنضدة ليكمل الإهانة بيده، فحال دونه صاحب المنزل لائما مؤنبا. - عيب علينا يا ناس، واجب أن نقتدي بتوفيق زيدون المقامر الشريف النفس؛ فإنه إذا خسر سكت، وإذا ربح لا يتبجح ... عيب عليكما.
وبينما هو يؤنب صديقه، وكل منهما - وقد ثاب إلى رشده - يعد أزلامه، كان توفيق زيدون نازلا الدرج منكس الرأس، كاسف البال، يده في جيبه الفارغة، ونفسه الملتهبة في يده.
وما قيمة نفسه وهو لا يملك فلسا واحدا؟ وماذا عساه يصنع وقد لجأ إلى آخر الحيل فكان فيها مدحورا؟ إلى أين يذهب بهذه النفس المحترقة المتقلصة السوداء؟ سؤالات كان يرددها وهو خارج من البيت لاعنا القمار والمقامرين.
अज्ञात पृष्ठ