وليس معنى قولي هذا أن صحف المقالات، مثل اللواء والجريدة والبلاغ، لم تكن تبالي بالأخبار وتعنى بها، فقد كان لها مخبرون ولكن مراكزهم الصحفية كانت ثانوية إلى جنب مكانة المحرر كاتب المقال الافتتاحي أو المقال الأوسط أو المقال الأدبي، وكان معظم نشاطهم يتجه نحو موظفي الحكومة، وتنقلاتهم وترقياتهم، وما يستطيعون الحصول عليه من دوائر البوليس والنيابات، يكتبون ذلك كله في إيجاز وجفاف ليس فيها أي إغراء فني صحفي، ولكن بعد حوالي 1925 برزت الأخبار وتفوقت على المقالات، بل أخذت صيغة المقالات، وصارت الجريدة توفد أحد مخبريها لحادث يقع في السويس أو أسوان، بل في بغداد أو الظهران، فيوافيها بتفاصيل أحد الحوادث يوما بعد يوم، ويرسل إليها الصور، التي لم تكن تعرفها صحفنا القديمة، والتي تشوق القارئ مثلما تشوقه سائر التفاصيل، وهذا المخبر لم يعد يكتب الخبر في الإيجاز الذي كان يكتبه سلفه، إذ هو يحيله إلى مقالة أو مقالات.
وظهرت المجلات الفنية التي تحيا على الأخبار فقط، ولكن كل خبر داخلي أو خارجي يستغرق الصفحة الواحدة أو الصفحتين أو أكثر مع الصور؛ ولذلك لا نكاد نجد مقالا واحدا في «آخر ساعة» مثلا من تلك المقالات التي كنا نجدها في الصحف قبل 1925، وإنما نجد أخبارا مقالية أو مقالات خبرية.
وقد يسأل القارئ هنا هل هذا خير أم شر؟ هل هو كسب أم خسارة؟
والجواب أنه كلا الاثنين، ومع ذلك أنا أؤثر صحفنا الحديثة التي تعنى بالأخبار على صحفنا القديمة التي كانت تعنى بالمقالات؛ فان للأخبار قيمتها الكبرى في زيادة الوعي الإنساني، فضلا عن الوعي الوطني، وقد يقال إن الصحف العصرية تعنى كثيرا وتسرف في نشر الأخبار الخاصة بالجرائم والجنس، وهذا صحيح. ولكن يقابله انعدام هذه الأخبار من الصحف القديمة، وما دامت الأخبار صحيحة فنحن نحتاج إلى الوقوف عليها، ولكن بلا إسراف في التفاصيل التي لا تزيدنا نورا وفهما.
ثم إن عناية الصحف العصرية بالأخبار قد حملتها على العناية بأخبار العالم، وهي أخبار لم نكن نعرفها في جرائدنا القديمة؛ ولذلك صارت تخص صفحتها الأولى بهذه الأخبار وصرنا نجد كل صباح صورة حية لأحوال العالم الذي نعيش فيه والذي يجب ألا نجهله، والصحفية هي - بعد كل شيء - للعالم وليست للوطن وحده.
ثم هناك ميزة أخرى لصحف الأخبار الحديثة، هي أنها لاعتمادها على المخبرين المتصلين بالشعب في أحواله الارتزاقية والثقافية والسياسية والاجتماعية، قد أوجدت أسلوبا شعبيا في الكتابة لم يكن يعرفه كتاب المقالات القديمة الذين كانوا يستلهمون الكتب أكثر مما كانوا يستلهمون الشعب، وهذا كسب كبير.
الفصل الثالث عشر
المرأة في الصحافة
عندما نتأمل الحال التي كان يعيش فيها نساؤنا قبل أربعين سنة، حين كان الحجاب عاما والفصل بين الجنسين تاما، ونقارنها بحالنا الحاضرة ونحن نجد المرأة السافرة بل العاملة، نحس أن أجمل ما في نهضتنا وأبعثها على السرور والغبطة هو هذا التطور الذي يشبه الوثبة.
لقد ارتقينا في التعليم وأصبح عندنا من طلبة الجامعات ما يساوي - بالمقارنة إلى السكان - عدد الطلبة في أوروبا.
अज्ञात पृष्ठ