فَصْلٌ
* وَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّازم الالْتزَامُ بِأَهْل الدِّين، وَعُلَمَاء الشَّريعَة الْمُبَرَّزينَ، وَأكَابِرِ الأئِمَّةِ المُتَّبِعِينَ الْمَتْبُوعِينَ، وَالْمَشْهُورِينَ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ الْمُحِقِّينَ، [وَالْمُتَدَيِّنِينَ] (١) الْمُتَوَرِّعِينَ، وَالْمُوَفَّقِينَ الْمُسَدَّدِينَ الْمُرَشَّدِينَ.
وَكَانَ الْإِمَامُ الْعَالِمُ السَّالِكُ النَّاسِكُ الْكَامِلُ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ ﵁ قَدْ تَأَخَّرَ عَنْ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْمَشْهُورَةِ (٢)، وَنَظَرَ فِي مَذَاهِبِهِمْ، وَمَذَاهِبِ مَنْ قَبْلَهُمْ، وَأَقَاوِيلِهِمْ، وَسَبَرَهَا [وخَبَرَهَا] (٣) وَانتقَدَهَا، وَاخْتَارَ أَرْجَحَهَا وَأَصْلَحَهَا (٤)، وَوَجَدَ مَنْ قَبْلَهُ قَدْ كَفَاهُ مُؤْنَةَ التَّصْوِيرِ وَالتَّأصِيلِ وَالتَّفْصِيلِ، فتفَرَّغَ لِلِاخْتِيَارِ وَالتَّرْجِيحِ، وَالتَّنْقِيحِ وَالتَّكمِيلِ، وَالْإِشَارَةِ إِلَى الصَّحِيحِ، مَعَ كَمَالِ آلَتِهِ، وَبَرَاعَتِهِ (٥) فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَتَرَجُّحِهِ عَلَى مَنْ سَبقَهُ، لِمَا يَأْتِي، ثُمَّ لَمْ يُوجَدْ بَعْدَهُ مَنْ بَلَغَ مَحَلَّهُ فِي ذَلِكَ؛ كانَ مَذْهَبُهُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ بِالاِتِّبَاعِ وَالتَّقْلِيدِ.
وَهَذَا طَرِيقُ الإِنْصَافِ وَالسَّلامَةِ مِنَ الْقَدْحِ فِي بَعْضِ الأَئِمَّةِ.
وَقَدِ ادَّعَى الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا، وَأنَّهُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ (٦).