सिद्दीका बिंत सिद्दीक

अब्बास महमूद अल-अक्काद d. 1383 AH
63

सिद्दीका बिंत सिद्दीक

الصديقة بنت الصديق

शैलियों

وألفت نفسها في مكة بين العثمانية والأموية يوم نزلت بها قبيل مقتل عثمان، فعن لها أن ترجع إلى المدينة لتدرك الأمر قبل فواته، ولكنها سمعت في الطريق ببيعة علي فقالت فيما رواه عبيد بن أبي سلمة وهو من خئولتها: ليت هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك. مشيرة إلى السماء والأرض، ثم صاحت بركبها: ردوني! ردوني! وجعلت تتوعد في الطريق: أن تطالب بدم عثمان ... فقال لها عبيد بن أبي سلمة: ولم؟ والله إن أول من أمال حرفه لأنت! قالت: «إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا، وقولي الأخير خير من قولي الأول.»

وما لبثت في مكة قليلا حتى تجمع فيها كل ناقم على علي بن أبي طالب من أعدائه ومنافسيه، فقضت أيامها بمكة بين العثمانية والأموية والولاة الذين أحسوا بزوال الدولة والثروة، والذين أوجسوا من حساب الخليفة الجديد، ولحق بهم طلحة والزبير، وكلاهما طامح إلى الخلافة يائس من الأنصار في المدينة، فاتفقوا جميعا على كلمة واحدة لا اتفاق بينهم فيما عداها، وهي المطالبة بدم عثمان؛ لأن المطالبة به تغنيهم عن القدح في الخليفة الجديد، وليس الاتفاق على القدح فيه بمستطاع.

كذلك لذلك ارتفعت الصيحة بدم عثمان.

وفي هذه البيئة غلبت على السيدة عائشة نية الخروج إلى البصرة بتلك الدعوة التي اتفقوا عليها، وأكبر الظن أنها كانت وشيكة أن تحجم عن الخروج إليها لولا غلبة البيئة، واجتماع الأصوات من حولها على نداء واحد، فإنها ما عتمت في الطريق أن صدمت أول صدمة حتى همت بالرجوع، ثم أصرت عليه لولا احتيالهم في إقناعها بمختلف الحيل.

عبروا بماء الحوأب فنبحتهم كلابه، وسألوا: أي ماء هذا؟ فقال الدليل: هذا ماء الحوأب. فصرخت بأعلى صوتها قائلة: إنا لله وإنا إليه راجعون، إني سمعت رسول الله

صلى الله عليه وسلم

يقول وعنده نساؤه: «ليت شعري! أيتكن تنبحها كلاب الحوأب؟» ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته، وهي تقول: أنا والله صاحبة كلاب الحوأب طروقا، ردوني، ردوني، ردوني. وأقامت يوما وليلة لا تريم مكانها، حتى جاءوا لها بخمسين رجلا من الأعراب رشوهم فشهدوا أنهم جازوا الماء، وقالوا لها: مهلا يرحمك الله، فقد جزناه. ثم صاح عبد الله بن الزبير: النجاء، النجاء، فقد أدرككم علي بن أبي طالب. فأذنت لهم في المسير بعد امتناع شديد. •••

ونعتقد أن وقفتها عند ماء الحوأب لم تكن آخرة التردد من جانبها في أمر القتال، فإننا في الواقع لم نقرأ بين أخبار وقعة الجمل المتشعبة خبرا واحدا ينم على عزمة قتال مبيتة لغرض مرسوم، ويؤخذ من كلامها لأبي الأسود الدؤلي حين أشخصه إليها عامل علي بالبصرة، أنها كانت تستبعد خروج أحد من المسلمين لقتالها، فقد سألته: أفتظن يا أبا الأسود أن أحدا يقدم على قتالي؟ وكان أبو الأسود رجلا صعب المراس في نصرة علي فأجابها: والله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد. وكان مما قاله لها قبل ذلك: ليس على النساء قتال ولا لهن الطلب بالدماء، وإن عليا لأولى بعثمان منك وأمس رحما فإنهما أبناء عبد مناف.

ولم تزل بالبصرة على هذا التردد كلما اشتبك أتباعها وأتباع عثمان بن حنيف والي علي عليها، فتحاجزوا عن الحرب غير مرة في المربد وفي دار الرزق، ونادى أصحاب عائشة بالكف عن القتال بعد أن تورط فيه الفريقان بدار الرزق نهارا كاملا من الصباح إلى الغروب كثر فيه القتلى والجرحى من الجيشين.

ثم أنفذ علي بن أبي طالب رسوله القعقاع بن عمر إلى طلحة والزبير وعائشة، فبدأ بعائشة وسألها: أي أمه! ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ قالت: أي بني، الإصلاح بين الناس. قال: فابعثي إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما. فبعثت إليهما فجاءا، فقال لهما: إني سألت أم المؤمنين ما أقدمها فقالت الإصلاح بين الناس، فما تقولان أنتما؟ أمتابعان أم مخالفان؟ قالا: متابعان! قال: فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح؟ فوالله لئن عرفناه لنصلحن، ولئن أنكرناه لا يصلح. فذكرا قتلة عثمان وحكم القرآن، قال: لقد قتل بالبصرة ستمائة رجل فغضب لهم ستة آلاف واعتزلوكم وخرجوا من بين أظهركم، وطلبتم حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف، فإن تركتموهم كنتم تاركين لما تقولون، وإن قاتلتموهم والذين اعتزلوكم فأديلوا عليكم فالذي حذرتم أعظم مما تراكم تكرهون، وإن أنتم منعتم مضر وربيعة من هذه البلاد اجتمعوا على حربكم وخذلانكم نصرة لهؤلاء ... فسألته عائشة: فماذا تقول أنت؟ قال: إن هذا الأمر دواؤه التسكين ... فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير وتباشير رحمة ودرك بثأر، وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر واعتسافه كانت علامة شر وذهاب هذا المآل، فآثروا العافية ترزقوها وكونوا مفاتيح الخير كما كنتم، ولا تعرضونا للبلاء فتعرضوا له فيصرعنا وإياكم.

अज्ञात पृष्ठ