تمالأوا عليه فقتلوه. وخلف حجر أولادا منهم نافع وكان أكبر ولده وامرؤ القيس. وهو أصغرهم.
وكان امرؤ القيس ذكيا متوقد الفهم. فلما ترعرع أخذ يقول الشعر وقيل أن المهلهل خاله لقنه هذا الفن فبرز فيه إلى أن تقدم على سائر شعراء وقته بالإجماع. وكان مع صغر سنه يحب اللهو ويستتبع صعاليك العرب وينتقل في أحيائها فيغير بهم وكان يكثر من وصف الخيل ويبكي على الدمن ويذكر الرسوم والأطلال وغير ذلك وقيل أن أول شعر نظمه قوله (من المتقارب) :
أذود القوافي عني ذيادا ... ذياد غلام جريء جوادا
فلما كثرن وعنينه ... تخير منهن ستا جيادا
فأعزل مرجلنها جانبا ... وآخذ من درها المستجادا
فبلغ قوله إلى والده فغضب عليه لقوله الشعر وكانت الملوك تأنف من ذلك. فأمر رجلا يقال له ربيعة أن يذبح امرأ القيس فحمله ربيعة حتى أتى به جبلا فتركه فيه وأخذ عيني جوذر فجاء بهما إلى أبيه. فأسف حجر لذلك وحزن عليه. فلما رأى ذلك ربيعة قال: ما قتلته. قال: فجئني به. فرجع إليه فوجده يقول (من الطويل) :
لا تسلمني يا ربيع لهذه ... وكنت أراني قبلها بك واثقا
مخالفة نوى أسير بقرية ... قرى عربيات يشمن البوارقا
فأما تريني اليوم في رأس شاهق ... فقد اغتدي أقود أجرد تائقا
وقد أذعر الوحش الرتاع بغرة ... وقد اجتلي بيض الخدور الروائقا
فعاد امرؤ القيس إلى والده إلا أنه لم يكف عن قول الشعر فطرده أبوه وأبى أن يقيم معه أنفة من قول الشعر. فكان يسير في أحياء العرب ومعه أخلاط من شذاذهم من طي وكلب وبكر بن وائل فإذا صادف غديرا أو روضة أو موضع صيد أقام فذبح لمن معه في كل يوم وخرج إلى الصيد فتصيد ثم عاد فأكل وأكلوا معه وشرب الخمر وسقاهم وغنته قيانه ولا يزال كذلك حتى ينفد ماء ذلك الغدير ثم ينتقل عنه إلى غيره.
पृष्ठ 8