وأذية وحرب وبلية. ثم نهضوا عنه وقبيصة يقول متمثلا:
لعلك أن تستوخم الموت إن غدت ... كتائبنا في مأزق الموت تمطر
فقال امرؤ القيس: لا والله لا أستوخمه فرويدا ينكشف لك دجاها عن فرسان كندة وكتائب حمير ولقد كان ذكر غير هذا أولى بي إذ كنت نازلا بربعي ولكنك قلت فأجبت. فقال قبيصة: ما نتوقع فوق قدر المعاتبة والإعتاب. قال امرؤ القيس: فهو ذاك.
ثم ارتحل امرؤ القيس حتى نزل بكرا وتغلب وعليهم إخوته شرحبيل وسلمة فسألهم النصر على بني أسد. ثم بعث عليهم فنذروا بالعيون ولجأوا إلى بني كنانة وكان الذي أنذرهم بهم علباء بن الحرث. فلما كان الليل قال لهم علباء: يا معشر بني أسد تعلمون والله أن عيون امرئ القيس قد أتتكم ورجعت إليه بخبركم فارحلوا بليل ولا تعملوا بني كنانة. ففعلوا وأقبل امرؤ القيس بمن معه من بكر وتغلب حتى انتهى إلى بني كنانة وهو يحسبهم بني أسد فوضع السلاح فيهم وقال: يا لثارات الملك يا لثارات الهمام. فخرجت إليه عجوز من بني كنانة. فقالت: أبيت اللعن لسنا لك بثأر نحن من كنانة فدونك ثأرك فاطلبهم فإن القوم قد ساروا بالأمس. فتبع بني أسد ففاتوه ليلتهم فقال في ذلك (من الوافر) :
ألا يا لهف هند إثر قوم ... هم كانوا الشفاء فلم يصابوا
وقاهم جدهم ببني أبيهم ... وبالأشقين ما كان العقاب
وافلتهن علباء جريضا ... ولو أدركته صفر الوطاب
ثم سار وراء بني أسد سيرا حثيثا إلى أن أدركهم وقد تقطعت خيله وقطع أعناقهم العطش وبنو أسد جامون على الماء. فنهد إليهم فقاتلهم حتى كثرت الجرحى والقتلى فيهم وحجز الليل بينهم وهربت بنو أسد. فلما أصبحت بكر وتغلب أبوا أن يتبعوه وقالوا له: قد أصبت ثأرك. قال: والله ما فعلت ولا أصبت من بني كاهل ولا من غيرهم من بني أسد أحدا. قالوا: بلى ولكنك رجل مشؤوم. وكرهوا قتالهم بني كنانة وانصرفوا عنه.
पृष्ठ 17