शौकी: चालीस वर्षों की दोस्ती
شوقي: صداقة أربعين سنة
शैलियों
يشجي ويسلي الناس في نغماته
فاليوم كن بجلال ربك ساجعا
والطائر المحكي في جناته
من الذي راض شوقي وحافظا في الشعر
الوسيلة الأدبية ومأخذها من القلوب بما تضمنته من شعر محمود سامي (1) مراسلات المؤلف مع محمود سامي
يقول الأستاذ الرافعي: «إن الكتاب الأول الذي راض خيال شوقي وصقل طبعه وصحح نشأته الأدبية هو بعينه الذي كانت منه بصيرة حافظ وذكرناه في مقالنا عنه؛ أي كتاب الوسيلة الأدبية للمرصفي. وليس السر في هذا الكتاب ما فيه من فنون البلاغة ومختارات الشعر والكتابة، فهذا كله كان في مصر قديما ولم يغن شيئا ولم يخرج لها شاعرا كشوقي، ولكن السر ما في الكتاب من شعر البارودي؛ لأنه معاصر والمعاصرة اقتداء ومتابعة على صواب إن كان الصواب، وعلى خطأ إن كان الخطأ. وقد تصرمت القرون الكثيرة والشعراء يتناقلون ديوان المتنبي وغيره ثم لا يجيئون إلا بشعر الصناعة والتكلف، ولا يخلد الجيل منهم إلا لما رأى في عصره ولا يستفتح غير الباب الذي فتح له. إلى أن كان البارودي وكان جاهلا بفنون العربية وعلوم البلاغة لا يحسن منها شيئا، وجهله هذا هو كل العلم الذي حول الشعر من بعد، فيا لها عجيبة من الحكمة، وهي دليل على أن أعمال الناس ليست إلا خضوعا لقوانين نافذة على الناس. وأكب البارودي على ما أطاقه وهو الحفظ من شعر الفحول؛ إذ لا يحتاج الحفظ إلى غير القراءة ثم المعاناة والمزاولة، وكانت فيه سليقة فخرجت مخرج مثلها في شعراء الجاهلية والصدر الأول من الحفظ والرواية، وجاءت بذلك الشعر الجزل الذي نقله المرصفي بإلهام من الله تعالى ليخرج به للعربية حافظ وشوقي وغيرهما. فكل ما في الكتاب أنه ينقل روح المعاصرة إلى روح الأديب الناشئ فتبعثه هذه الروح على التمييز وصحة الاقتداء، فإذا هو على ميزة وبصيرة، وإذا هو على الطريق التي تنتهي به إلى ما في قوة نفسه ما دام فيه ذكاء وطبع، وبهذا ابتدأ شوقي وحافظ من موضع واحد وانتهى كلاهما إلى طريقة غير طريقة الآخر، والطريقتان معا غير طريقة البارودي.» ا.ه.
قلت: والظاهر أن الوسيلة الأدبية للمرصفي بما فيها من شعر البارودي، قد أنشأت أكثر من شوقي وحافظ، وبعثت الشعر العالي من مرقده وأحيت للأدب العربي دولة جديدة بعد أن كان الناس يظنون أن الشعر هو عبارة عن النكتة، وكان جهادى الشاعر من المتأخرين أن يضمن كل بيت نكتة من أدب أو تاريخ أو مثل سائر أو تورية أو استخدام بديعي أو طباق أو مقابلة أو لف ونشر أو جناس لفظي أو معنوي أو غير ذلك مما استقصاه علماء البديع.
فأما أسلوب الجاهلية والمخضرمين والطبقة التي جاءت بعدهم ممن عاشوا في أوائل الدور العباسي ولم يكن طرأ الوهن على ملكاتهم، فقد كان محفوظا في الكتب حفظ النفائس في الخزائن، وكان يرى الناس بدعا أن ينسجوا على منواله ولا يزالون يرون أن البيت إذا خلا من النكتة فلا يعد شعرا ولو كان منحوتا من أحسن مقاطع البلاغة.
وبقي الأمر كذلك حتى نبغ البارودي بانطباعه على شعر الأولين وإرساله تلك القصائد التي عارض فيها آياتهم الكبر فلم يقصر عنهم، وصار الناظر في شعرهم وشعره لا يفرق بين النسجين. وسواء عرف البارودي شيئا من قواعد النحو والصرف أو لم يعرف فقد كان المثل الأعلى في نقاء اللغة وبداعة الأسلوب ومتانة التركيب، وكنت إذا قرأت شعره ملك عليك مشاعرك وهزك هزة لا تجدها إلا في شعر الفحول المفلقين مثل زهير وعنترة والأعشى والنابغة الذبياني وبشار وأبي تمام ومن في ضربهم، كأنما قميصه زر على واحد من هؤلاء.
فالذين اهتدوا من ناشئة العصر إلى الوسيلة الأدبية للمرصفي وجدوا فيها ضالتهم التي طالما نشدوها فلم يجدوها إلا في شعر محمود سامي. رأوا نسبة معاصريه له نسبة البغاث إلى الباز، ولا أعلم هل كانت الوسيلة الأدبية هي التي بعثت الشعر في شوقي وحافظ أم كانت لهما وسائل غيرها؛ لأني لم أشاهد حافظا في حياتي وعندما كنت أذاكر شوقي وأنشده من شعر محمود سامي لم يقل لي شيئا يتعلق بكونه إنما نسج على طرازه أو إن شعر محمود سامي هو الذي أرهف قريحته. وقصارى ما لحظته من شوقي هو إجلال البارودي كشاعر، وما عرفت أن محمود سامي كان صيقل حافظ وشوقي في الشعر إلا من رواية الرافعي هذه، وهذا القول جدير بأن يكون صحيحا لأني أعرف ذلك من نفسي، فقد كان اطلاعنا على شعر محمود سامي بواسطة الأستاذ الإمام حجة الإسلام الشيخ محمد عبده يوم كان منفيا في بيروت، وكنا نلازمه استفادة من واسع علمه واستفاضة من عارض فضله، فهو الذي عرفنا بالوسيلة الأدبية للشيخ حسين المرصفي، وكنا أنا وأخي نسيب - رحمه الله - نصبو من صبانا إلى طريقة الأولين في الشعر ونؤثر شعر الجاهلية والمخضرمين والبطن الأول من المولدين على شعر أهل الأعصر الأخيرة مهما حلت نكاتهم وكثرت الأنواع البديعية في أشعارهم، ولم نكن نجهل علم البديع ولا كان يفوتنا شيء مما في خزانة ابن حجة ولكن ذلك كله كان عندنا لعبا ولهوا بالقياس إلى المعلقات السبع وشعر النابغة والأعشى، ثم شعر الأخطل وجرير والفرزدق وعمر بن أبي ربيعة ثم شعر أبي العتاهية وأبي نواس وبشار ومسلم بن الوليد ومروان بن أبي حفصة وأبي تمام والبحتري وطبقتهم. وكان المتنبي كله لا يروقنا إلا من جهة الأمثال والحكم، وكنا نرى شعره في الأحايين نازلا عما يجب أن يكون، فلما قرأنا شعر محمود سامي سكرنا بأدبه، ورقصنا على قصبه، وبعث لنا نشأة روحية لم نعهدها في أنفسنا من قبل أن عرفناه، وعلمنا أن في المعاصرين من قدر أن يضارع الأولين وأن يسامي بنفسه أنفاسهم.
अज्ञात पृष्ठ