ويرى الإنسان سربا من اليمام أو الغربان فلا يرى إلا أنها صورة واحدة مكررة ليس لواحدها شية تميزه، ولا سحنة تعرفه، حتى ضرب الناس المثل فقالوا: أشبه من الغراب بالغراب! ولا أحسب يمامة اشتبه عليها إلفها، ولا غرابا عسر عليه أن يعرف أليفه. وقل في النحل والنمل وغيرها.
ومعنى هذا أن في كل شيء دقائق، ولكل حيوان علامات تخفى على أنظار، وتدركها أنظار، وتنبهم على البعيد، ويدركها القريب، وأن المعرفة جلية وخفية. فعلى من لا يدرك أن يتثبت ولا ينكر، وعلى من ينظر ألا يثق بالنظرة الأولى، ويركن إلى الرأي الفطير. فوراء جلي العلم غامضه، ووراء ظاهر المعرفة باطنها، وفوق كل ذي علم عليم.
الجمعة 18 ذي القعدة/أول سبتمبر
السلطان بايزيد وأحد العلماء
بنى السلطان بايزيد العثماني، الملقب يلديرم؛ أي الصاعقة، مسجده الكبير في بروسه. هذا المسجد الجميل ذا القباب الكثيرة التي تتوسطها قبة زجاجية تلتقي تحتها أشعة الضوء وخيوط الماء المنبعث من النافورة.
4
ولما تم بناء المسجد ذهب السلطان ليراه، وكان معه الشيخ الصالح أمير بخارى، فطاف السلطان والشيخ معه بأرجاء المسجد وهو معجب بفخامته وجماله، فرح بما يسر الله له تشييده.
وقال السلطان للشيخ: ماذا ترى؟ وانتظر كلمة ثناء أو دعاء، ورجا أن يقول الشيخ: بارك الله في مولانا السلطان! لقد أرضى ربه ببناء مسجد عظيم. ولعله رجا أن يقول الشيخ: إن آباء السلطان من لدن جده عثمان، لم يشيدوا مسجدا كهذا على كثرة ما شادوا. ولكن الشيخ كان مشغولا بغير هذا، كان يفكر فيما يشاع عن السلطان بايزيد من شرب الخمر، فلم تصرفه أبهة الملك وجلال البناء عما أهمه من أمر السلطان، ووجدها فرصة لوعظ صاحبه وأداء واجبه، ولعله كان يردد في نفسه الآية الكريم :
يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله
أو الآية:
अज्ञात पृष्ठ