العلم ، فإنه يجب أن لا يدخل تحت تكليفه ، ولا يجوز له الإقدام عليه ، لأن الإقدام عليه كالإقدام على الجهل المطلق.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أنه لا يجب على المكلف أن يعلم في نظره أنه مولد للعلم ومؤد إليه ، كما أنه لا يجب أن يعلم فيما يتصرف فيه من أحوال معاشه أنه يؤدي إلى المطلوب ، بل يكفي أن يعلم على الجملة في نظره أنه حسن أو واجب. وقد تقرر عندهم ، أنه لو كان يؤدي إلى الجهل لكان لا يحسن ولا يجب ، فعلى هذا الوجه يجوز أن يدخل تحت تكليفه ولا يجب أن يعرف التفصيل الذي قالوه.
ومنها ، أنهم قالوا : إن المكلف لو كان مكلفا بالمعرفة لكان يجب أن يعلم صفتها ، لأن المكلف لا بد أن يكون عالما بصفة ما كلفة ، والمعلوم أنه حال النظر لا يمكنه أن يعلم صفة المعرفة ، ولو وقعت المعرفة عند نظره لكان لا تقع إلا حدسا واتفاقا ، فلا يحسن تكليفه بها ، لأن التكليف بما لا يعلم كالتكليف بما لا يطاق في باب القبح.
والجواب عن ذلك ، أن المعرفة إذا اختفت بسبب أو طريق ، وعلم المكلف ذلك السبب وميزه عن غيره صار كما لو علم نفس المعرفة ، إذ المقصود أن يمكنه الإتيان بها ، وذلك ممكن إذا عرف سبب المعرفة كما يمكن إذا عرفها نفسها. وإذا كان كذلك فقد خرج العلم من باب الحدس والاتفاق. فهذا هو الكلام على أصحاب المعارف على حسب ما يحتمله هذا المجمل.
** الكلام على أبي القاسم البلخي فيما يتعلق بمعرفة الله ضرورة
وأما الكلام على أبي القاسم البلخي ، فالأصل فيه هو أن يعلم أنه بنى مذهبه على أصل له وهو ، أن ما يعرف استدلالا لا يجوز أن يعرف إلا استدلالا ، كما أن ما يعرف ضرورة لا يجوز أن يعرف إلا ضرورة.
ونحن قبل أن نستدل بإفساد هذه الطريقة نفسد مذهبه ابتداء ، فنقول : إن خلافه لا يخلو إما أن يكون خلافا في الصحة ، أو في الوجوب.
فإن كان خلافا في الصحة ، فالكلام عليه هو أن نقول : قد ثبت أن العلم من أجناس المقدورات فلا يخلو إما أن يدخل جنسه تحت مقدورنا أولا ، فإن لم يدخل جنسه تحت مقدورنا فيجب أن يكون القديم تعالى قادرا عليه وإلا خرج عن كونه
पृष्ठ 28