الضرورية ، فكما أنها تنقسم إلى ما يمكنكم دفعه لأن ما يفعله الله تعالى منها أقل مما في مقدوركم من أضدادها ، وإلى ما لا يمكنكم دفعه لأن ما يفعله الله تعالى منها أكثر مما في مقدوركم من أضدادها ، كذلك في مسألتنا.
ومنها ، أنه لو كان يعلم بالله تعالى ضروريا لوجب أن يشترك العقلاء فيه ، ومعلوم خلافه.
إلا أن لقائل أن يقول : لا تجب هذه القضية في سائر الضروريات ، وإنما تجب في بداية العقول ، ولهذا فإن العلم بالصنائع والحرف ضروري ، ثم لم يشترك العقلاء فيه.
وقد استدل رحمه الله على أنه تعالى لا يعرف ضرورة ، بأن قال في الكتاب : لو كان العلم بالله تعالى ضروريا لوجب أن يكون صفة للأمور المشاهدة ، كما في العلم بأن الحلفاء تحترق بالنار ، وأن الزجاج ينكسر بالحديد ، وكالعلم بأن الظلم قبيح والعدل حسن ، ومعلوم خلافه. إلا أن هذا مما لا يمكن الاعتماد عليه ، لأن لقائل أن يقول : أليس الله تعالى يعلم ضرورة في دار الآخرة ، ويعرفه المحتضر وإن لم يكن صفة للأمور المشاهدة ، فهلا جاز ذلك في دار الدنيا؟
** ما يتصل بهذا الدليل من الكلام على أصحاب المعارف وأبي القاسم
واتصل بهذا ، الكلام على أصحاب المعارف ، وأبي القاسم البلخي. أما أصحاب المعارف فقد تعلقوا في ذلك بشبه :
منها ، أنه لو لم يكن العلم بالله تعالى ضروريا ، وكان من فعلنا ، لكان يصح من الواحد منا أن يختار الجهل بدلا من العلم في الحالة الثانية من النظر ، لأن من حق القادر على الشيء أن يكون قادرا على جنس ضده إذا كان له ضد ، والمعلوم أنه لا يمكن ذلك ، فليس إلا أن المعرفة ليست من فعلنا وإذا لم تكن من فعلنا كانت ضرورية على ما نقوله.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أن الواحد منا إنما لم يمكنه إيقاع الجهل واختياره بدلا من العلم في الحالة الثانية من النظر ، لأن العلم يحصل بسبب موجب ، والجهل يحصل باختياره ، وما يحصل بسبب موجب ، بالوجوب أولى مما يحصل باختيار الفاعلين ، وهذا مما لا شبهة فيه ، فهذا هو الوجه في ذلك لا ما ظنوه.
ومنها ، أنهم قالوا : إن المكلف إذا لم يعرف في نظره أنه نظر صحيح يؤدي إلى
पृष्ठ 27